يقوم التنظيم القضائي بالمغرب على غرار القوانين المقارنة عدة مبادئ اساسية تعتبر بمثابة التوجه و الموقف اللذين تبناهما المشرع المغربي في ماله علاقة بتنظيم المحاكم ايا كان نوعها .
اولا: مبدأ استقلالية السلطة القضائية :
يقصد بمبدأي استقلالية السلطة
القضائية ان تتمتع هذه السلطة بالاستقلال عن الهيئات
الدستورية الاخرى و السلط التي نص عليها الدستور،
وكذا عن السلطة التشريعية و السلطة
التنفيذية، ويراد بهذا المبدأ ايضا تمتع القضاة كأفراد موكول اليهم امر
البث في الملفات التي تعرض عليهم بنوع من الحياد و الاستقلال وعدم
التأثر او الخضوع لأي جهة كيفما كانت .
غير ان عدة عقبات منها
ماهو قانوني، او سياسي، او واقعي تجعل تجسيد هذا
المبدأ على ارض الواقع من الامور التي تتميز بنوع من الصعوبة
التي لا ترقى الى مستوى الاستحالة .
فأما المعيقات ذات الطابع
القانوني فيمكن تلخيص اهمها في النقاط الآتية:
-
لا يمكن ان
يتحقق استقلال القضاء مادام ان ترقية القضاة
تتوقف على التنقيط الذي يتولى رئيس المحكمة
القيام به( والمقصود رؤساء المحاكم بكافة درجاتها
وانواعها) ، لان الاستقلال يقتضي الا يكون القاضي محكوما
بالمنطق الرئاسي لان القناعة القضائية هي اهم
ما يميز عمل القضاة، وهي مسألة قررها
المشرع لهم وهم يقومون بالمساطر و
الاجراءات ويبثون في النوازل و القضايا التي
تعرض عليهم .
-
اقتران ترقية القضاة
بالانتاج السنوي لهم ، اي ان تمييز
قاضي عن آخر لايتم من خلال جودة
الاحكام و القرارات التي يصدرها، وانما من
حيث عدد الملفات التي استطاع البث فيها
خلال السنة.
نتائج هذا الاسلوب :
قد يؤدي هذا الاسلوب
الكمي الذي يعطي للكيف اهمية للازمة ان
يفتح المجال امام ترقية قضاة لايولون
اية اهمية للتقنيات الفنية للقضاء، ويعتمدون
على الكم دون الكيف.
وهذا الاسلوب يؤدي ايضا
الى استبعاد قضاة هو اولى بالترقية من
غيرهم، بناء على الحكام الرفيعة و الاجراءات
السليمة و الناجعة التي قاموا بها
ان هذا الاسلوب لايشجع
على الابداع و الاجتهاد القضائي وهو
الامر الذي توخاه المشرع من خلال منحه
القضاة عدة صلاحيات إبان نظرهم في الملفات .
ثانيا: مبدأ التقاضي على درجتين :
يقصد بمبدأ التقاضي على
درجتين ، السماح لكل طرف من ان يعرض
نزاعه وقضيته امام محاكم الدرجة الاولى(
المحاكم الابتدائية، والمحاكم الادارية، والمحاكم التجارية)
قبل ان يسلك الطعن بالاستئناف كطريق
طعن يعكس امكانية التقاضي مرة اخرى ولنفس الاسباب ونفس
الموضوع ونفس الاطراف امام محاكم الدرجة الثانية( محاكم
الاستئناف والمحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف الادارية)
ومن النصوص الواردة في قانون
المسطرة المدنية المؤيدة للمبدأ ، موضوع هذه النقطة
، الفصل 19 الذي نص على انه" تختص المحاكم
الابتدائية ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف
امام غرف الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية الى
غاية عشرين الف درهم (20.000 درهم) و ابتدائيا مع حفظ
حق الاستئناف امام المحاكم الاستئنافية في
جميع الطلبات التي تتجاوز (20.000 درهم ).
امام القضايا التي جعلها
المشرع تشذ عن القضايا المذكورة ، فقليلة بالنظر
أولا الى قيمتها الزهيدة التي لا
تتجاوز المبلغ القيمي المحدد للقول بامكانية
الاستئناف ، وثانيا على اعتبار ان النزاعات
التي لاتتجاوز خمسة آلاف درهم(5.000 درهم) لاتقبل
أي طعن عديا كان ام استثنائيا.
وعلى مستوى المحاكم التجارية، انطلاقا
من سنة 2002 ، ادخل قانون المحاكم التجارية تعديلا
مبدئيا مفاده تحويل كل الاحكام الصادرة
عن المحاكم التجارية صبغة القابلية للاستئناف.
ثالثا: مبدأ القاضي الفرد وتعدد
القضاة:
يعد مبدأ القاضي الفرد
وتعدد القضاة من أكثر المبادئ التي عرف
فيها المشرع المغربي تأرجحا وتقلبا ، فتارة
يجعل مبدأ القاضي الفرد هو القاعدة العامة
وتعدد القضاة هو الاستثناء ، وتارة لايعتبر
القضاء الفردي سوى استثناء على المبدأ العام
المتمثل في التشكيلة الجماعية للقضاة وهم
ينظرون في النوازل المعروضه عليهم .
وتجدر الاشارة الى ان التمييز بين
القضاة الفردي وتعدد القضاة لاوجود له
بالمحاكم الابتدائية وهي تبث كغرفة استئنافية
وبمحاكم الاستئناف وبباقي المحاكم الاخرى شأن
المحاكم الادارية و المحاكم التجارية ومحاكم
الاستئناف التجارية ومحاكم الاستئناف الادارية ، ليس
مؤداه ان الاسلوب المعتمد بهذه المحاكم
هو مبدأ تعدد القضاة دون اي استثناء.
رابعا: مبدأ علنية الجلسات
وشفوية المرافعات:
المراد بعلنية الجلسات هو
جريان الدعوى بشكل علني حيث يحظر
الجلسات الاطراف او ممثلوهم وكافة من يهتم
بمتابعة الدعاوى ، وهذا يستلزم انظباط الجميع
لنظام الجلسة تحت طائلة العقوبات التي
يمكن لرئيس الجلسة ان يصدرها في حق
كل من لم يلتزم بالاحترام الواجب للقضاة
ومما يترتب على علنية
الجلسات ، انه بإمكان الهيأة ان تأمر
بإجرائها بصورة سرية إذ اقتضت الظرورة ذلك
او بناء على طلب احد الاطراف .
اما علنية الاحكام بالجلسة،
فتتميز بخصوصيات عدة منها انه لايمكن فتح
باب الاستثناء أمام إصدار الحكم بصورة سرية
وهو عكس ما تطرقنا اليه بالنسبة لمبدأ
علنية الجلسات، وفي حالة صدور الحكم بشكل
سري يجوز للطرف المعني ان يطعن في
الحكم .
وغني عن البيان ان ثمة
ترابطا قويا بين مبدأ علنية الجلسات
ومبدأ شفوية المرافعات ، فشفوية المرافعات تجد
مجالا مناسبا لتطبيقها متى كانت الجلسات
علنية ، بحيث يكون كل من حضر بالجلسة
على علم بما يثيره كل طرف من ملاحظات
ولو انه من المتصور القيام بالمرافعة
الشفوية حتى خلال الجلسات التي تجرى بسرية.
تكون المسطرة شفوية في
القضايا التالية:
- القضايا التي تختص فيها
المحاكم الابتدائية ابتدائيا و انتهائيا .
- قضايا النفقة و الطلاق
و التطليق.
- القضايا الاجتماعية.
- قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة
الكراء.
- قضايا الحالة المدنية.
خامسا: مبدأ وحدة القضاء:
تعتبر وحدة القضاء من
المبادئ التي تأخد به كثير من القوانين
المقارنة، و قلما نجد من يتبنى مبدأ ازدواجية
القضاء، ولوحدة القضاء عدة معان :
المعنى الاول: فهو يفيذ ان هناك
جهة قضائية واحدة في كافة تراب او
اقليم الدولة، والجهة القضائية كما هو معلوم
هي وجود محاكم منسجمة وشاملة تنظر في
كافة القضايا التي تعرض على القضاء.
المعنى الثاني: وحدة القضاء يراد به
مساواة كافة المواطنين و المتقاضين ولو
كانوا أجانب امام القضاء، فلا يعتد بلغتهم، ولا
بجنسيتهم، ولا بغير ذلك مما قد يميز شخصا عن
آخر ، وهذا طبيعي ان يساهم في استقرار
المؤسسات القضائية بالدولة ، وبث الثقة فيها
بين كافة من يقصد القضاء بهذف انصافه
وتمكينه من حقه .
سادسا: مبدأ مجانية القضاء
ومبدأ المساعدة القضائية:
ثمة ترابط قوي بين مجانية
القضاء ومبدأ المساعدة القضائية، فإذا كان
الاول يعني ان فصل القاضي في النزاعات
لايتطلب مقابلا من الاطراف، اي ان المتقاضين
لايؤدون الرواتب ولا أي مقابل للقضاة الذين يبتون
في نزاعاتهم وهذا تشجيع للجوء الى المحاكم
من اجل تمكين اصحاب الحقوق من حقوقهم ،فإن
الثاني يفيد بمفهوم المخالفة ان هناك
نفقات يتعين اداؤها من قبل المتداعين، وقد
يبدو أن مبدأ المجانية أصبح فارغ
المحتوى لكن من الظروري التمييز بين المجانية
وأداء المصاريف اللازمة للدعوى إنطلاقا من
تقييدها لكتابة الضبط الى حين البث فيها،
بل وإلى ان يتم تنفيذها ( المجانية لها
علاقة بمبدأ دستوري هام يتمثل في الحق
في التقاضي)
من ناحية اخرى ان تم تمديد
مبدأ مجانية القضاء الى المصاريف اللازمة لسير
الدعوى(مصاريف تقييد الدعوى- التبليغات – اجور الخبراء- وأتعاب
المحامين- أجور التراجمة – مصاريف تنقل الشهود- مصاريف المعاينات و التنفيدات...)
فيه تشجيع على تكاثر الدعوي الكيدية، وعلى التقاضي بسوء نية ما دام ان
المتقاضي يعلم مسبقا انه غير ملزم بأي أداء الا
الكيد بغريمه وتطويل الاجراءات دون وجه حق .
ويمكن ان يكون احد الاطراف فقيرا
او معوزا لايقوى على أداء المصاريف التي تتطلبها
الدعوى من بدايتها الى نهايتها، وقد انتبه المشرع
الى مثل هذه الحالات فأصدر مقتضيات تعفي المتقاضين
المعوزين أداء المصاريف وهو ما يعرف بالمساعدة القضائية.
وللحصول على المساعدة القضائية
ينبغي التوفر على الشروط الآتية:
- تقديم طلب الى وكيل الملك
لدى المحكمة التي تنظر في النزاع.
- إثبات الطالب للمساعدة لفقره
وحاجته وعدم قدته على تحمل الصوائر و الرسوم
القضائية الخاصة بالدعوى التي هو طرف فيها
وتم احداث مكاتب للمساعدة
القضائية على مستوى محاكم الموضوع وكذا مستوى
المجلس الاعلى.
وتجدر الاشارة ان هناك
نوعين من المساعدة القضائية، المساعدة القضائية بناء
على طلب و المساعدة القضائية بقوة القانون ، وكما
هو واضح من خلال التسميتان فهناك عدة نقاط
للاختلاف بين النوعين نشير الى بعضها باختصار:
- المساعدة القضائية بناء على طلب:
لاتمنح الا اذا توافرت الشروط التي
ينص عليها المرسوم المؤرخ في 1966 و المتمثلة
في تقديم طلب وإثبات العسر.
- المساعدة القضائية
بقوة القانون: لاتستوجب الشروط السابقة وانما
يكفي ان يكون المستفيذ ممن متعهم
القانون بالمساعدة القضائية لغاية معينة كما
هو الشأن بالنسبة للاجراء في مجال الشغل .
في نفس السياق:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق