تقوم نظرية التلبس على فكرة التقارب بين لحظة ارتكاب الجريمة ولحظة اكتشافها
أو ضبط فاعلها وهذا التقارب الزمني من شأنه أن يجعل أدلة الجريمة متوفرة
, الأمر الذي يقتضي اللجوء إلى إجراءات سريعة ومبسطة حتى لا تزول معالم الجريمة أو
تتعرض أدلتها للعبث بسبب تراخي الإجراءات أو تعقيدها . ومن شانه كذلك أن يجعل تلك
الأدلة واضحة الدلالة , الأمر الذي يقلل من احتمال الخطأ والتعسف.
اما المشرع المغربي فانه لم يعرف التلبس، وإنما اكتفى بتعداد حالات ذكرها على
سبيل الحصر، تتحقق فيها حالة التلبس بالجناية أو الجنحة. وهي أربع حالات أشارت
إليها المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية.
يعتبر التلبس المستعمل في النص العربي يفيد لغة الاختلاط، فيقال تلبس بالشيء
إذ هو اختلط به، وتلبس بالثوب إذا هو ألبس نفسه فيه فارتداه. أما النص الفرنسي فقد استعمل لفظة Flagrance و هي تفيد الوضوح الذي لا
غبار عليه و الذي لا يترك مدعاة للشك.
و على أي حال مهما تكن المفاهيم اللغوية لمصطلح التلبس فإن المشرع تجاوز هذه
المفاهيم و أورد أحوالا للتلبس، لكن الفقه قد جاء بتعاريف متعددة تصب في نفس
المعنى منها: " يقصد بالجريمة المتلبس بها أو المشهودة، الجريمة التي تضبط
وقائعها أو فاعلها أثناء تنفيذ الفعل الإجرامي، أو تضبط بعد تنفيذها في ظروف خاصة
حددها القانون"
خصائص
التلبس بالجريمة
إن الجريمة العادية لا تختلف عن الجريمة المتلبس بها، سواء من حيث الأركان أو
من حيث الجزاء، و إنما تتميز الجريمة المتلبس بها بطريقة اكتشافها، و بمسطرة
مواجهتها. و بالتالي فهي تتميز بالخصائص التالية :
إنها حالة موضوعية، تتعلق بملابسات محددة، بمعنى أن الجريمة تعتبر قد ارتكبت
في حالة تلبس، إذا ما حصلت وفقا لأحدى الحالات الموضوعية، فالتلبس وصف يتعلق
بموضوع الجريمة و ليس شخص الفاعل.
حالة التلبس حالة مادية يتضح من خلال مظاهر مادية يمكن مشاهدتها
مبررات
الإجراءات الخاصة بالتلبس:
الملاحظ أن السلطات التي تتمتع بها الشرطة القضائية في حالة التلبس،تجعل البحث
التمهيدي يتسم بصبغة تحقيقية مما يطرح التساؤل عن المبرر الكامن وراء الاعتراف
للشرطة القضائية بهذه الصلاحيات الاستثنائية.
فالطبيعة الخاصة لحالة التلبس، تستدعي الإسراع في إنجاز الإجراءات و ملاحقة
المجرم لمنعه من الفرار، و حجز الدليل و الحفاظ عليه و بعث الاطمئنان في نفوس
المواطنين الذين اضطربوا لحصول الجريمة بمرابهم، كذلك يكون المجرم الذي يرتكب
جريمته أمام العيان، يتسم بنوع من الخطورة الإجرامية. مما يبرر الإجراءات السريعة
الممكن اتخاذها في مواجهته.
و بالرغم من وجاهة هذه الاعتبارات، فيجب ألا يغيب عن البال، ضرورة الحفاظ على
حقوق المشتبه فيه، كي لا تضيع الحقيقة نتيجة التسرع. لذلك قد حرص المشرع على حصر
حالات التلبس بالجريمة، و ضبط الصلاحيات المخولة للشرطة القضائية.
حالات التلبس :
الحالات في المادة 56 من ق م ج وهي كالتالي :
1مشاهدة الجريمة حال إنجاز الفعل الإجرامي أو على إثر إنجازه :
أي أن تكون المشاهدة في حالة ارتكاب الجريمة، كمشاهدة الفاعل أثناء ارتكابه
لجريمة القتل وإن كانت المشاهدة أغلب ما تكون بالرؤية، إلا أن ذلك ليس شرطا، وإنما
يكفي إدراك وقوع الجريمة بأية حاسة من الحواس، لذلك حكم بأن سماع العيارات النارية
من الجهة التي شوهد المتهم قادما يجري منها عقب ذلك مباشرة، يعتبر من حالات التلبس.
الأعمال التنفيذية للجريمة هي التي يتكون منها الركن المادي سواء في صورة
الجريمة التامة أو في صورة المحاولة، فوصف التلبس يلحق بالجريمة التامة، ويلحق
محاولتها كذلك، كما تشمل الأعمال التنفيذية الظروف المشددة، مثل مشاهدة التكسير.
ولا يحدد القانون من يقوم بضبط الفاعل وهو يرتكب الجريمة، ولكن إطلاق اللفظ
يؤدي إلى أن العبرة هي ضبط شخص معين هو الفاعل،
2مطاردة الفاعل بصياح الجمهور أثناء وقوع الجريمة :
إن المشرع المغربي لم يحدد مقدار الفترة بين هذه الرؤية وبين ارتكاب الجاني
لجنايته، ولكن المفروض أن يكون ذلك إثر ارتكاب الجريمة، فيحكم بأنه إذا كان الجندي
أثناء قيامه بعمله قد قام بمشاهدة الجاني يجري في الطريق ويتبعه نفر من العامة مع
الصياح طالبين القبض عليه لارتكاب سرقة. فتقدم الجندي وأمسك به، وعندئذ ألقي بورقة
في الأرض فالتقطها الجندي ووجدها مادة تبين بعد ذلك أنها مخدرات، فأجرى ضبطه
واقتاده إلى مركز الشرطة، فقام الضابط بتفتيش مسكنه، فالواقعة على هذا النحو تجعل
رجال الشرطة إزاء جريمة متلبس بها.
وعلى العموم، فالحالة التي يكون فيها الفاعل ما يزال مطاردا بصياح الجمهور على
إثر ارتكاب الجريمة، وهي حالة تفترض أن مرتكب الفعل الإجرامي لم يتم إيقافه بمكان
الجريمة، وأنه تمكن من الإفلات. ولكن الجمهور طارده في الحين سواء تم توقيفه آنذاك
أم لم يتم توقيفه، فإن الجريمة تعتبر جناية متلبس بها.
3مشاهدة أدلة الجريمة وآثارها :
ورد في الفصل 56 من قانون المسطرة الجنائية مايلي " إذا وجد
الفاعل بعد مرور زمن قصير على ارتكاب الفعل حاملا أسلحة أو أشياء يستدل منها
على أنه شارك في الفعل الإجرامي أو وجدت عليه اثار او علامات تثبت هذه المشلركة."
ويرى الدكتور فاضل محمد أن لهذه الحالة صورتان :
الأولى : وهي التي يوجد فيها المجرم حاملا أسلحة أو
أشياء يستدل منها على أنه شارك في الفعل الإجرامي.
الثانية : وهي التي يوجد فيها المجرم بعد مرور زمن قصير
على ارتكاب فعلته وعليه آثار أو إمارات تثبت مشاركته في الجريمة.
4التثبت من إبلاغ صاحب المنزل بارتكاب الجريمة في داره :
تتسم صفة التلبس بالجناية أو الجنحة، ارتكاب جريمة داخل منزل في ظروف غير
المنصوص عليها في الفقرات الثلاث للمادة 56 من قانون المسطرة
الجنائية، إذا التمس مالك أو ساكن المنزل من النيابة العامة أو من ضابط للشرطة
القضائية معاينتها. والمفروض في هذه الحالة أن صاحب المنزل شاهد الجريمة حال
ارتكابها في داره، أو بعد ذلك بقليل، ثم التمس من وكيل الملك أو أحد ضباط الشرطة
القضائية الإنتقال إلى منزله للتأكد من وقوع الجريمة، فهو قد أباح لضابط الشرطة
القضائية دخول منزله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق