الأربعاء، 1 فبراير 2017

القانون الدولي الخاص: الضوابط العامة في تحديد الاختصاص القضائي الدولي

تمهيد: بالإضافة الى تحديد الاختصاص التشريعي يجب كذلك تحديد اختصاص محاكم الدولة بالنظر في المنازعة ذات العنصر الاجنبي. لان المشكل لا يثار في منازعة جل عناصرها وطنية. اما اذا تعلق الامر بنزاع ذي صبغة دولية, فانه يجب انداك التساؤل عما اذا كانت محاكم الدولة مختصة بالفعل في هذا النزاع ام لا ؟ و لا يقصد من هذا اختصاص محكمة بعينها, لان توزيع الاختصاص بين محاكم الدولة امر يعود الى المشرع الوطني.
الاختصاص القضائي الدولي
و بالتالي فانه اذا عرض على القاضي المغربي نزاع ذي طبيعة دولية فانه يتعين عليه اولا معالجة مشكل الاختصاص الدولي, حتى يتمكن من معرفة ما ذا كان مختصا للبث في النزاع ام لا. و اذا ثبت له الاختصاص ينتقل الى المرحلة الموالية و هي معالجة مشكل الاختصاص على المستوى المحلي, و لعلا هذا ما دفع الفقه الى تقسيم الاختصاص الى عام – و هو الاختصاص القضائي الدول – و اختصاص خاص – و هو الاختصاص الداخلي.

كما ينقسم هذا الاختصاص الى:
-         الاختصاص العام المباشر: و يتعلق الامر هنا ببيان الاحوال التي تكون فيها المحاكم المغربية مختصة في نزاع عرض عليها لأول مرة.
-         الاختصاص العام غير المباشر: في الحالة التي يكون فيها النزاع قد اثير امام محكمة  دولية اجنبية و صدر بشأنها حكم ثم اريد تنفيذه في المغرب عن طريق الحصول على قرار بتنفيذه. 
فالمقصود من تنازع الاخصاص هو تعيين الدولة التي يعود الى جهازها القضائي الحق في النظر في النزاع, و عند تعيينها وجب بعد ذلك تطبيق قواعد اختصاصها الداخلية ما لم تكن قواعد الاختصاص الدولي تولت ذلك.

قواعد الاختصاص القضائي الدولي: قواعد احادية و مفردة الجانب بمعنى ان دولة القاضي هي التي يوكل لها مسألة تحديد القواعد التي على ضوئها يحدد القاضي اختصاصه من عدمه, و لا يمكن للقاضي ان يعين محكمة اجنبية معينة باعتبارها محكمة مختصة. هذا بخلاف قواعد الاسناد التي هي ذات طابع مزدوج.
لكن عندما يثبت الاختصاص لدواة معينة فهذا لا يعني ان قانونها هو الواجب التطبيق, بل يمكن ان تكون مختصة و يكون القانون الواجب التطبيق هو قانون دولة اجنبية.

-         التمييز بين الاختصاص القضائي الداخلي و الاختصاص القضائي الدولي:  
 الاختصاص القضائي الداخلي او المحلي هو يثار بالنسبة للمنازعات التي تكون كافة عناصرها وطنية, هنا يتم اللجوء الى قواعد الاختصاص المحلي الداخلي وفق ما نص عليه المشرع المغربي في قانون المسطرة المدنية. لكن هناك بعض الحالات التي يكون فيها الاختصاص القضائي مرتبط بالاختصاص التشريعي, فيما يتعلق بالتكييف مثلا فان القاضي يقوم به وفق قانونه.
لكن القاعدة هي انه ليس هناك تنازع بين الاختصاص القضائي و الاختصاص التشريعي, و لكن هناك حالات يمكن ان يكون فيها هذا التنازع لاعتبارات معينة.

-         تعريف الفقه للاختصاص القضائي الدولي:
هو مجموعة من القواعد القانونية التي تتحدد بمقتضاها ولاية محاكم الدولة بالنظر في المنازعة التي تتضمن عنصرا اجنبيا.  
اذن نحن بصدد منازعة خاصة ذات طابع دولي, و يتعين البحث عن القواعد التي تحدد اختصاص البث في هذه المنازعة. فمثلا لو تعلق الامر بفعل ضار تعرض له مواطن مغربي في فرنسا من شخص الماني, فانه يتعين تحديد المحكمة التي تبث في هذه المنازعة هل هي محكمة المغرب, فرنسا, المانية ؟ مما يطرح اشكالية تحديد الاختصاص القضائي ثم بعد ذلك تحديد القانون الواجب التطبيق.

الضوابط العامة في تحديد الاختصاص القضائي الدولي
هناك قواعد خاصة تحدد مسألة تحديد الاختصاص القضائي الدولي, و لكن يجب ان نسترشد هنا بمجموعة من المبادئ و القواعد المتعارف عليها دوليا على مستوى التشريع و على مستوى القضاء.
هناك ما يسمى بالاختصاص الاصلي و الاختصاص الطارئ او الاستثنائي.
1-      الاختصاص الاصلي:
يعتمد الاختصاص الاصلي على نوعين من المعايير و هي:

أ‌-        الاختصاص الشخصي:
الاختصاص الشخصي يكون مبني بالدرجة الاساسية على الجنسية, بحيث ان المحاكم المغربية تكون مختصة عندما يكون المدعي او المدعى عليه مغربيا, و يثبت في هذه الحالة للمحاكم المغربية ان تبث في المنازعة المتعلقة به. لان هذا المعيار متعلق بالدرجة الاساسية بهذا العنصر الذي هو عنصر الجنسية, و بالتالي نأخذ بعين الاعتبار الحالة التي يكون فيها اختصاص ايجابي يكون فيها المغربي مدعيا, و الاختصاص السلبي عندما يكون فيها المغربي مدعى عليه.
و في هذا الاطار يمكن الاشارة الى نص جاء في قانون المسطرة المدنية " تختص محاكم المملكة بالنظر في الدعوى التي رفعت على المغربي و لو لم يكن له موطن او محل اقامة في المغرب ما عدى الدعوة المتعلقة بعقار يوجد في الخارج ". – استنادا الى عنصر الجنسية - .
كذلك الشأن بالنسبة للتشريع الفرنسي اذ نص على ان القضاء الفرنسي يكون مختصا في جميع الدعاوى التي يكون فيها الفرنسي مدعي او مدعى عليه.

ب‌-    الاختصاص الاقليمي:
الاختصاص الاقليمي مبني على ارتباط المنازعة باقليم الدولة, كان يتعلق الامر مثلا بمنازعة حول العقار الذي يخضع لموقع العقار. و هذا الاختصاص الاقليمي يوجد فيه حالتان:
+ اذا كان المدعى عليه اجنبي و له موطن او محل اقامة في المغرب: نأخد بعنصر اساسي و هو الموطن او محل الاقامة ولو ان الامر يتعلق باجنبي, للبث في النزاع على هذا الضابط. و هذا الاختصاص له اهمية من الناحية العملية لانه يعطي قوة نفاذ للحكم بالنسبة للمدعي على اعتبار انه اذا صدر هذا الحكم من محكمة مختصة التي هي محكمة المدعي فانه في هذه الحالة تكون له قوة على اعتبار ان المحكمة المصدرة للحكم هي التي تكون لها فعالية مسطرة التنفيذ.
و من ناحية اخرى فوجود المدعى عليه في دولة و له موطن في اقليم هذه الدولة فهذا يفيد ان تمت ارتباط بين هذا المدعى عليه – الاجنبي – و ما بين الموضوع المتعلق بالمنازعة, لان الموطن دائما هو المكان الذي تتواصل فيه مختلف الانشطة التجارية و المهنية لهذا الشخص – المدعى عليه – و بالتالي يمكن ان يمارس مختلف الاجراءات المسطرية المتعلقة بالضغط عليه في التنفيذ كالحجز مثلا على ممتلكاته في حالة لم يوفي بديونه.
و في هذا السياق نجد ان المشرع المغربي يعتبر بان محاكم المملكة هي المختصة في بالنظر في الدعاوى التي ترفع على الاجنبي الذي له موطن او محل اقامة في المغرب.
+ اذا كان المدعى عليه اجنبي و لم يكن له موطن او محل اقامة في المغرب: ليست هناك نصوص صريحة في هذا الباب, لكن المحاكم المغربي تكون مختصة و لو لم يكن للمدعى عليه الاجنبي محل او موطن اذا كانت الدعوى تتعلق: بعقار موجود في المغرب, او متعلقة بابرام عقد نشأ في المغرب, او متعلقة بمحل تنفيذ التزام بالمغرب, او مرفوعة من قبل مجموعة من الاشخاص بصفتهم مدى عليهم و يكون احدهم له موطن او محل اقامة في المغرب.

2-      الاختصاص الطارئ او الاستثنائي:
يعتمد الاختصاص الطارئ او الاستثنائي على عدة معايير منها:
أ‌-        الخضوع الارادي:
الخضوع الارادي مبني بالدرجة الاساسية على ارادة الاطراف, و هو يأتي في اتفاق الاطراف على تعيين قضاء دولة معينة في البث في المنازعة التي يمكن ان تترتب عن تكوين عقد من العقود المبرمة فيما بينهما, شريطة ان تكون هناك علاقة ما بين الاطراف و المنازعة و الاختصاص للدولة المعينة. فلا يمكن للاطراف ان يتفقوا على ابرام عقد معيين و يعينوا اختصاص دولة معينة لا علاقة لها بهذا العقد, اذن يجب ان يكون هناك اعتبار في التعيين سواء بالنسبة للقانون الواجب التطبيق او بالنسبة للاشخاص. يجب ان تكون هناك صلة او رابطة من زاوية من الزوايا مع الدولة المعينة, و هذه الضوابط منصوص عليها في كل التشريعات الدولية من بينها المشرع المغربي ايضا الذي ينص على ان المحاكم المغربية تختص بالنظر في الدعوى و لو لم تكن داخلة في اختصاصها متى قبل المدعى عليه اثارتها صراحتا او ضمنا, ما عدى الحالة التي تتعلق بالعقار المتواجد في الخارج.
اذن المشرع المغربي يأخد بعين الاعتبار الحالة التي يكون فيها الاختصاص اراديا, سواء كان ذلك بطريقة صريحة او ضمنية على اعتبار انه يمكن ايضا للقاضي من خلال طبيعة المنازعة او السلوك او الملابسات المرتبطة بها ان يستنتج اختصاصه من خلال مجموعة من القرائن الدالة على ذلك. لان الهذف من هذا الامر هو حماية ارادة الاطراف, و تيسير بعض المعاملات الخاصة عندما يتعلق الامر بمعاملات تجارية دولية, فيكون من الافضل منح الحرية للاطراف من اجل تحديد المحاكم المختصة من اجل البث في المنازعة.
لكن هناك بعض المسائل التي يجب ان تأخذ بعين الاعتبار في الاتفاق و هي:
-         يجب ان يكون هذا الاتفاق بين الاطراف جالبا للاختصاص و ليس سالبا له, فلا يمكن للاطراف مثلا الاتفاق على سلب الاختصاص من محاكم دولة معينة و منحه الى محاكم دولة اخرى, خشية ان يكون هناك تحايل او غش.
-         يجب ان تكون هناك صلة ما بين هذا الاختصاص الارادي و ما بين موضوع المنازعة, لكي لا يعطى لارادة الاطراف طاقة تشريعية.

ب‌-    الارتباط في الدعوى الاصلية:
من خلال ما يسمى الطلبات العارضة, و المقصود بالطلبات العارضة هي التي يتقدم بها الخصوم اثناء النظر في الدعوى و تكون مرتبطة بالدعوى الاصلية. مثلا دعوى متعلقة بديون و يتقدم احد الخصوم بطلب عارض, كطلب اجراء مقاصة مثلا فهذا يعتبر طلبا عارضا مرتبط بالدعوة الاصلية, اذن جميع الطلبات العارضة التي يمكن ان تتار بخصوص دعوة معينة, فاذا ثبت الاختصاص من حيث الاصل للمحاكم المغربية فان هذه الطلبات العارضة تكون ايضا من اختصاص هذه المحكمة. لان المحكمة مختصة اصلا بالدعوى الاصلية مما يستتبعه الاختصاص ايضا في الدعوى العارضة. بمعنى انها تكون مختصة بشكل طارئ بالنظر في الطلبات العارضة, و ذلك لوجود ارتباط ما بين الطلب العارض و الطلب الاصلي.
و في هذا الاطار نجد ان المشرع ينص على انه يمتد اختصاص المحاكم المغربية التي تنظر في الدعوى الاصلية الى النظر في المسائل الاولية و الطلبات العارضة, و كل طلب مرتبط بهذه الدعاوي الاصلية.
فالمشرع صريح فيما يخص اختصاص المحاكم المغربية في الطلب الاولي يمتد ليشمل كل ما يتعلق بكل طلب مرتبط بالدعوى الاصلية.

بالاضافة الى هذا فبالمنطق تكون المحاكم المغربية مختصة بالنظر فيما يتعلق بالتدابير التحفظية او الوقتية او حراسة قضائية او غيرها من الاجراءات التي تكون وقفية الى حين البث في اصل الموضوع لحماية الحق من الاندثار, لان المدعى عليه يمكن ان يتصرف في ممتلكاته التي تشكل ضمانا عاما, و بالتالي فان هذه الاجراءات التحفظية او الوقتية تدخل ايضا ضمن نطاق اختصاص المحكمة اذا كانت تنظر في المنازعة الاصلية.

- تذييل الاحكام الاجنبية بالصيغة التنفيذية

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة ل الناجمويب: دروس و محاضرات قانونية