عندما تشير قاعدة الإسناد إلى تطبيق القانون
الوطني فإن هذا الأخير هو الواجب التطبيق، أما إذا كان القانون المشار إليه قانونا
أجنبيا فإلى أي مدى يلتزم القاضي بتطبيقه و هل تعتبر قواعد الاسناد من النظام العام بحيث يطبقها
القاضي من تلقائي نفسه ? و ما هي الاعتبارات التي تدفع لتطبيق قانون
اجنبي معين ?
هل تعتبر
قواعد الاسناد من النظام العام :
على مستوى الفقه هناك رأيين :
1- الراي الاول : يرى ان
القاضي غير ملزم بتطبيق مقتضيات قاعدة الاسناد. بل هو في غالبية الامر يتمسك بها
الخصوم و في حالت تمسكهم بها فان القاضي عليه ان يطبقها.
و الراي المعتمد هو الذي يرى ان قاعدة الاسناد قاعدة
امرة.
2- الراي الثاني : يقولون ان
قاعدة الاسناد قاعدة من النظام العام و بالتالي فانها تفرض على القاضي و يتعين
عليه ان يطبقها من تلقاء نفسه و لو لم يتمسك بها الخصوم.
بالنسبة للقانون المغربي فقد حسم الامر و
اعتبر قواعد الاسناد من النظام العام يتعين على القاضي ان يعمد الى تطبيقها بصورة
تلقائية و لو لم يتمسك بها الاطراف. الا في بعض الحالات الاستثنائية كالحالة التي
تترك فيها الحرية للأطراف لاختيار مقتضيات قانون معين.
1- اساس تطبيق
القانون الاجنبي :
اساس تطبيق القانون الاجنبي او بعبارة اخرى
ما هي الاعتبارات التي تدفع الى تطبيق قانون اجنبي معين ?
القاعدة و الاصل هو ان القانون عندما يصدر
يصدر لكي يطبق فوق اقليم معين و يخاطب مجموعة من الاشخاص المعينين تطبيقا لمبدأ
اقليمية القوانين. الا ان هناك مبدأ شخصية القوانين حيث ان القانون يمكن ان يتبع
الشخص اينما حل و ارتحل خصوصا اذا تعلق الامر بالاحوال الشخصية.
إن مسألة تحديد الأساس القانوني لتطبيق
القانون الأجنبي أمام القاضي الوطني أثارت جدلا فقهيا يمكن إجماله في النظريات
التالية :
أ-
النظرية الانجلو امريكية : - الحقوق المكتسبة -
تأسس هذه النظرية الاساس الذي على ضوئه يحدد
القانون الاجنبي على فكرة الحقوق المكتسبة. بمعنى ان القاضي عندما يطبق مقتضيات
قانون اجنبي معين فان ذلك اعتراف منه بحق تم اكتسابه في الخارج.
و هذه النظرية سيكون لها تطبيق حتى على مستوى القضاء الفرنسي فيما يتعلق بالنظام
العام. بحيث ان القانون الفرنسي قد نظر في عدة قضايا و استنذ فيها على هذه
النظرية.
و بالتالي فحسب هذه النظرية يعتبر تطبيق
القاضي للقانون الاجنبي هو اعتراف منه بحق انشأ وفق هذا القانون. و بالتالي فان
القانون الاجنبي حسب هذه الزاوية ما هو الا عنصر من عناصر هذا الحق الذي نشأ في
الخارج.
انتقادات : تعترف بالحق
الذي ينشأ في ظل قانون معين و لكن ما هو الحكم بالنسبة للحق الذي ينشأ في دولة
القاضي. يترتب عن هذا الامر نشوء مركز قانوني جديد. اذن فهذا الحق لم ينشأ في
الخارج و انما نشأ في دولة القاضي.
و بالتالي فان هذه النظرية لا تغطي كل الحالات
المتعلقة بنشوء حق و انقضاء اثاره و انما تقتصر نظرتها فقط على نشوء الحق في
الخارج. دون اعطاء تفسير للحالات الاخرى. و مع ذلك فان هذه النظرية لقت اقبال من
لدن الدول الانجلوساكسونية.
ب- النظرية
الفرنسية : - القانون الاجنبي مسألة واقع
-
حسب هذه النظرية تطبيق القانون الأجنبي من
طرف القاضي الوطني ما هو إلا عنصر من عناصر الواقع أي عندما يطبق القاضي الفرنسي
قانون اجنبي يطبقه باعتباره واقعا ماديا او عنصر من عناصره. و ليس على اعتباره
قانونا و بالتالي فان القاضي الفرنسي لا يكون ملزما من تلقاء نفسه بان يطبق قانون
اجنبي. و انما يتعين على اطراف المنازعة ان يثبتوا مضمون هذا القانون الاجنبي و ان
يتمسكوا بتطبيقه و على من يتمسك به ان يثبت مضمونه و الا فان القاضي يكون حرا في
هذه المسألة فيطبق قانون اجنبي او قانون فرنسي. و محكمة النقض لا تمارس رقابتها
على تفسيره و تطبيقه.
وهذا ما سار عليه بعض الفقه في فرنسا –
باتيفول ولاجارد- بحيث يعتبرون أن تطبيق
القانون الأجنبي من طرف القاضي الوطني ما هو إلا عنصرا من عناصر الواقع وينطلقون
من فكرة مفادها أن كل قاعدة قانونية لها عنصر عقلي وهي عامة ومجردة وعنصر الإلزام
الذي يضفي على القاعدة قوتها الملزمة وتظل القاعدة تتمتع بهاذين العنصرين متى طبقت
داخل الدولة التي سنتها، ومتى طرحت هذه القاعدة أمام قاض آخر بوصفها قانونا أجنبيا
فإنها تفقد عنصر الإلزام وتطبق بوصفها واقعة ثبت وجودها أمام القاضي. و يتعين على
الخصوم إثبات هذا القانون وكل خطأ في تفسير هذا القانون الأجنبي لا يخضع لرقابة
المحكمة العليا باعتباره مسألة واقع.
و لكن هذه النظرية تغيرت فيما بعد بعد صدور
قرار من اعتبار ان القانون الاجنبي مسألة واقع الى اعتباره قانونا بمعنى الكلمة.
انتقادات : على اعتبار انه لماذا لا نسلم بأن عنصر الإلزام تستمده القاعدة
القانونية بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنية.
ت- النظرية
الايطالية :
تسمى هذه النظرية ايضا بنظرية استقبال او اندماج. و هذي تندرج على ان
قاعدة الاسناد الوطنية عندما تشير الى تطبيق قانون اجنبي معين فان هذا القانون
الاجنبي يجب ان يستقبل القانون الوطني و يندمج معه و يشكل جزءا منه.
و على مستوى الفقه الايطالي انقسم الى
فريقين :
-
نظرية الاندماج المادي : يذهب رواد هذا الاتجاه الى القول بانه اذا ثبت الاختصاص لقانون اجنبي
معين بموجب قاعدة اسناد فان ذلك يؤدي الى ادماج احكام هذا القانون ادماجا ماديا في
القانون الوطني. اي انه يصبح جزءا لا يتجزأ من قانون القاضي.
-
نظرية الاندماج الشكلي : حسب رواد
هذه النظرية فان الاندماج هو فقط اندماج شكلي اي ان القانون الاجنبي المختص وفقا
لقاعدة الاسناد يعتبر جزءا من القانون الوطني. و مع ذلك فان هذا القانون الاجنبي
يظل محتفظا بمقتضياته. و ان التفسيرات التي تعطى لبعض المقتضيات المتعلقة به يجب
ان نستمده من التشريع الذي اصدره. و بالتالي فان الاندماج حسب هذه النظرية لا يكون
اندماجا كليا و انما هو اندماج يؤدي الى احتفاظ القانون الاجنبي بقيمته و مدلوله.
غالبة الفقه و
القضاء يؤكدون على الطبيعة القانونية للقانون الاجنبي. فالقانون الاجنبي عندما
يطبق امام قاضي وطني فانه يطبق باعتباره قانونا بمعنى الكلمة و ليس مجرد عنصر من
عناصر الواقع استنادا الى مقتضيات قانون القاضي نفسه. على اعتبار ان قواعد الاسناد
هي التي اشارت الى تطبيق القانون الاجنبي. اذن القاضي عندما يطبق قانونا اجنبيا
معينا فانه يطبقه بأمر من المشرع الوطني.
2- دور القاضي في
تطبيق القانون الوطني :
يثير هذا الامر
مجموعة من التساؤلات ترتبط بدور القاضي في تطبيق و اعمال قاعدة التنازع. و دوره في
البحث عن مضمون القانون الاجنبي. ثم دوره في تفسير القانون الاجنبي.
أ-
مدى التزام القاضي بإعمال قاعدة الاسناد :
عندما يكون الخصوم
هم الذين يتمسكون بتطبيق القانون الاجنبي فيجب على القاضي تطبيقه بشرط ان يكون
مختصا بموجب قاعدة التنازع الوطنية.
لكن الصعوبة تكمن
في الحالة التي لا يتمسك الخصوم باحكام القانون الاجنبي الذي تشير اليه قاعدة
التنازع بانه هو المختص. فهل يتعين على القاضي تطبيقه بصورة تلقائية ام انه يجب
عليه ان يمتنع عن تطبيقه ?
-
التزام القاضي بتطبيق القانون الاجنبي من تلقاء
نفسه :
لم يعتد بمبدأ
التزام القاضي بتطبيق القانون الاجنبي من تلقاء نفسه الا حديثا. فقد جرى القضاء
الفرنسي على الزام القاضي بتطبيق القانون الاجنبي على شرط تمسك الخصوم باحكام هذا
القانون. و ترجع نقطة البداية في هذا التطور الى قرار bisbal الصادر
عن الغرفة المدنية الاولى لمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 12 ماي 1952. بحيث اعتبر
القانون الفرنسي بان قواعد الاسناد الفرنسية لا تعتبر من النظام العام على الاقل
عندما تشير الى اختصاص القانون الاجنبي. و انه يتعين على الخصوم المطالبة
بتطبيقها.
و لقد اثار هذا
القرار مجموعة من الانتقادات لعدة اسباب :
-
القول بان قواعد الاسناد ليست من النظام العام
الفرنسي لا يعفي المحكمة من ضرورة اعمال قاعدة اسناد من تلقاء نفسها.
-
هذ الحل قد يمنح للخصوم امكانية التهرب اتفاقا من
تطبيق القانون الذي تعينه قاعدة التنازع الوطني.
-
موقف محمة النقض في هذا القرار كان غامضا اذن كان
بالامكان لتبرير تطبيق القانون الاجنبي الاعتداد بالقوة الالزامية لقاعدة التنازع.
و على العكس من ذلك
فان الفقه الفرنسي الحديث يعتبر بان القاضي ملزم بتطبيق قاعدة الاسناد من تلقاء
نفسه و بالتالي تطبيق احكام القانون الاجنبي دون الحاجة لتمسك الخصوم بذلك. و يكون
القاضي ملزم بهذا التطبيق لان القانون الوطني هو الذي امر بذلك عن طريق قاعدة
اسناد.
-
مدى التزام القاضي بالبحث عن مضمون القانون
الاجنبي :
القضاء الفرنسي
يذهب في اتجاه ان عبئ اثبات القانون الاجنبي يقع على عاتق الخصم الذي يتمسك
باحكامه اي ان من يتمسك من الخصم بهذا القانون الاجنبي هو الذي عليه اثباته على
اعتبار ان هذا الاخير هو الذي لديه مصلحة في تحديد مضمون هذا القانون. و بالتالي
هو الذي يتحمل عبئ الاثبات بكافة الوسائل كتقديم نصوص او شهادة تثبت مضمونه صادرة
عن هيئة مختصة ياخذ بها القاضي على وجه الاستدلال و تخضع لسلطته التقديرية.
و في هذا الجانب لا
تطبق القاعدة التي تفترض في القاضي العلم بالقانون كما هو الوضع بالنسبة للقانون
عامة.
لكن ما هو الحل في
الحالة التي يتعذر فيها على القاضي ة و يستحيل عليه استحالة مطلقة الوقوف عند
مضمون هذا القانون الاجنبي ?
هناك نظرية تسمى
الاختصاص الاحتياطي بمعنى انه اذا تعذر تطبيق قانون اجنبي معين فان القانون الوطني
يسترد اختصاصه ما دام ان القاضي يتعامل مع القانون الاجنبي على انه قانون بمعنى
الكلمة فانه :
-
لا يخضع لقاعدة العلم بمقتضيات هذا القانون الاجنبي و
انما خصوم الاطراف يلعبون دورا اساسيا فيما يتعلق بتحديد مضمون هذا القانون.
-
بالنسبة للاثبات هناك وسائل محددة يتم اعتمادها
للوصول الى تحديد مضمون القانون الاجنبي لان هذا الاخير يكتسب نوعا من الخصوصية و
بالتالي يجعل طرق اثباته تختلف عن الطرق التي يحدد بها القانون الوطني :
+ الشهادة العرفية : يتم
الاعتماد على مستند يصدر من شخصية متخصصة في الميدان. اي ان القاضي يأمر باستصدار
شهادة عرفية من شخصية على علم بمقتضيات القانون الاجنبي و تكون هذه الشهادة
العرفية محررة بلغة القاضي الذي يتم الاثبات امامه. و هي اما ان تصدر من شخصية
خاصة كالقاضي او المحامي ... او من جهة رسمية كالسفارات و القنصليات للدولة التي
سيطبق قانونها. تحدد فيها الاحكام المتعلقة بالقانون الاجنبي المراد تطبيقه.
الا ان الشهادة الرسمية هي التي تم اعتمادها من طرف
القضاء المغربي في عدد كبير من القضايا.
+ الخبرة : القاضي
يمكنه ان يستعين بالخبرة سواء كانت شفوية او مكتوبة. و الخبرة الشفوية تم اعتمادها
من طرف القضاء الانجليزي لانه قانون عرفي بالدرجة الاساسية. لكن في القانون
المغربي القاضي لا يعتمد الا على الخبرة المكتوبة.
و مسألة اعتماد الخبرة هي مسألة تقديرية للقاضي يمكن
ان يعتمدها كما يمكن ان يستبعدها.
المضمون هو ان
القاضي ليس من الضروري ان يكون عالما بالقانون الاجنبي و لكن يمكن ان يستعين
بمختلف الوسائل المتاحة امامه الى تحديد مفهوم قانون اجنبي.
هل
القاضي يأخذ فقط بالحكم ام انه يأخذ بالتفسيرات و التطبيقات المعطات لهذا
الحكم ?
القاضي يأخذ بعين
الاعتبار حتى المقتضيات المتعلقة بتفسير الحكم و التوجهات القضائية في تطبيق هذا
الحكم. و بالتالي فالقاضي يلتزم بالمبادئ العامة التي تحكم هذا القانون في الدولة
التي صدر فيها هذا القانون و يتقيد بالتفسير القضائي ايضا.
نستشف من هذا ان تطبيق
مقتضيات القانون الاجنبي ياخذ مأخذ القاعدة القانونية و يطبق باعتباره قانونا و
ليس واقعة مادية. و هذا يستتبعه ان القاضي لا يعتد بقاعدة العلم و انما يعتمد على
وسائل اخر.
هل يخضع القاضي
الوطني في تطبيقه لمقتضيات القانون الاجنبي لرقابة محكمة النقض ?
اذا عتبرنا ان
القانون الاجنبي الواجب التطبيق هو مجرد واقعة مادية او عنصر من عناصر الواقع فان
القاضي هنا لا يخضع لرقابة محكمة النقض. لان السلطة التقديرية تكون له.
و لكن عندما نعتبر ان
هذا القانون اي القانون الاجنبي هو قانون بمعنى الكلمة فلا شك ان القاضي هنا يكون
خاضعا لرقابة محكمة النقض.
اما على مستوى
التشريع المغربي فلابد من التمييز بين ثلاثة مراحل اساسية و هي:
-
مرحلة ما قبل تأسيس المجلس الاعلى :
كان يتم
التمييز بين ما اذا كان الامر يتعلق بتطبيق القانون الفرنسي فالقاضي المغربي كان
يطبق القانون الفرنسي. و القاضي في تطبيقه لهذا القانون يكون خاضعا لرقابة محكمة
النقض الفرنسية.
اما الحالة التي
يطبق فيها القاضي المغربي قانون اخر غير القانون الفرنسي فانه لا يكون خاضعا
لرقابة. تطبيقا لمبدأ قدسية القانون الاجنبي في المغرب ابان عهد الحماية.
-
مرحلة بعد تأسيس المجلس الاعلى :
الظهير المنشأ
للمجلس الاعلى نص على ان خرق قانون اجنبي يتعلق بالأحوال الشخصية يدخل ضمن الاسباب
الموجبة للنقض.
اذن فالقاضي يخضع
لرقابة المجلس الاعلى عندما يتعلق الامر بخرق قانون اجنبي لكن فيما يتعلق بالأحوال
الشخصية. اما بالنسبة لباقي القوانين الاخرى حسب ما ذهب اليه الفقهاء المجلس
الاعلى حر في ان يمدد رقابته او ان يحددها.
-
مرحلة صدور قانون المسطرة المدنية :
صدور ظهير 28 شتنبر
1974 سيؤدي الى تغيير جذري على مستوى الرقابة لان الفصل 359 من قانون المسطرة
المدنية حذف من أسباب الطعن امام المجلس الاعلى آنذاك خرق القانون الاجنبي للأحوال
الشخصية و اصبح ينص على الخرق الداخلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق