توج الدستور المغربي التطورات التي لحقت بملف حقوق الإنسان منذ اعتلاء جلالة
الملك محمد السادس عرش المغرب، والتي من بينها العمل الكبير الذي قامت به هيئة
الإنصاف والمصالحة في موضوع "العدالة الانتقالية" وجرأة توصياتها التي
وضعت كغاية لها تجنب ما حدث في الماضي، إضافة إلى الرقي بمؤسسة المجلس الوطني
لحقوق الإنسان إلى مصاف الهيئات الوطنية وفق "إعلان باريس".
لذا، أتى الدستور ليعلن في تصديره على أن "المملكة المغربية....العضو
العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ
وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.... وتِؤكد
وتلتزم بـ... حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما،
مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء ...".
هذا الالتزام الدولي، المؤكد بسمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية "كما
صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية
الراسخة"، سيتمم بلائحة من الحقوق والحريات المكرسة دستوريا، والتي أفرد لها
المشرع الدستوري بابا خاصا بها تحت عنوان "الحريات والحقوق الأساسية"
والتي تتضمن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية
والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والسعي نحو تحقيق المناصفة بين الرجل
والمرأة (الفصل 19)، والحق في الحياة (الفصل 20) والسلامة الشخصية (الفصل 21)، وتجريم
التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة أو المحطة من الكرامة الإنسانية (الفصل
22)، وكذا الاعتقال التعسفي أو السري أو الاختفاء القسري، والتشديد على قرينة
البراءة، وحظر كل تحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف (الفصل 23).
وإلى جانب هذه الحقوق نص الدستور على حرية الفكر والرأي والإبداع والنشر
والبحث العلمي والتقني (الفصل 25)، وحق المواطنات والمواطنين في الحصول على
المعلومات (الفصل 27)، وحرية الصحافة (الفصل 28)، والاجتماع والتجمهر والتظاهر
السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي(الفصل 29)، والحق في التصويت
وفي الترشح للانتخابات (الفصل 30).
هذه الحقوق الدستورية ليست إعلانات نوايا، بحكم أن الدستور يضع على عاتق
الدولة واجب تيسير استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية، كالحق في العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية
الصحية، والحصول على تعليم عصري، وعلى السكن اللائق، وولوج الوظائف العمومية حسب
الاستحقاق، وكذا العيش في بيئة سليمة ... (الفصل 31)، ويوجب على السلطات العمومية
اتخاذ التدابير لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية
والثقافية والسياسية (الفصل 33)، وتفعيل سياسات موجهة للأشخاص والفئات من ذوي
الاحتياجات الخاصة (الفصل 34).
ولم يقتصر الدستور المغربي على حماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية،
بل نص أيضا على العديد من الحقوق الثقافية واللغوية، إذ أصبح المغرب يتوفر على
لغتين رسميتين هما العربية والأمازيغية (الفصل 5)، وأوكل الدستور للدولة
"صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية
الموحدة، وحماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، والسهر على
انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية".
إضافة إلى ذلك يتضمن الدستور المغربي حقوقا خاصة بالتقاضي من بينها، ضمان حق
التقاضي (الفصل 118)، والحق في الدفاع وفي محاكمة عادلة (الفصل 120)، ومجانية
التقاضي لمن لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي (الفصل 121).
ولضمان ممارسة هذه الحقوق نص الدستور المغربي على العديد من الآليات
المؤسساتية، نذكر من بينها:
- إنشاء مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي تتولى "النظر في جميع
القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها
الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا
وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا
المجال"(الفصل 161).
- خلق مؤسسة الوسيط، والتي تكمن مهمتها في "الدفاع عن الحقوق في نطاق
العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ
العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية
والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العامة"(الفصل 162).
- حظر كل تعديل دستوري يطال المكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية، وهو
ما شدد عليه الفصل 175 من الدستور "لا يمكن أن تتناول المراجعة ... الاختيار
الديمقراطي للأمة، والمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في
هذا الدستور".
- تمكين المواطن بالدفع بعدم دستورية قانون أمام المحكمة الدستورية، يمس
بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، تطبيقا للفصل 133 من الدستور "تختص
المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر
في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس
بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور...".
منقول ...
منقول ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق