الثلاثاء، 28 يونيو 2016

القانون الجنائي الخاص : القتل العمد


القتل العمد
ينص الفصل 392 من القانون الجنائي المغربي على أن " كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا و يعاقب بالسجن المؤبد ". وتكون جريمة القتل العمد قائمة طبقا لهذا الفصل اعتداء إنسان عمدا بغير حق على إنسان آخر عن عمد و قصد نتج عنه الوفاة مهما كانت الوسيلة المستعملة.




اركان جريمة القتل العمد

1- الركن المادي:
يتطلب السلوك الإجرامي لجريمة القتل العمد ارتكاب الجاني فعلا ماديا وإيجابيا يكون ھو السبب في إزھاق روح الضحية ، ولا يھم شكل أو وسيلة العنف المادي المجرم ھنا وھذا يعني ضرورة توفر ثلاثة عناصر تقليدية في الركن المادي للجريمة بصفة عامة، وتتمثل في فعل الاعتداء على الحياة يؤدي إلى نتيجة إجرامية ھي وفاة المجني عليه، وقيام العلاقة السببية

أ‌-       النشاط الإجرامي:
هو كل سلوك إرادي ملموس في العالم الخارجي من شانه التسبب في وفاة إنسان. ويكون النشاط الإجرامي أما سلوك ايجابيا أي القيام بفعل تترتب عليه الوفاة ( الضرب أو الطعن أو الخنق ...) أو سلوكا سلبيا عن طريق الامتناع ( الممرض التي تمتنع عن إعطاء دواء لمريض فيموت ).
و المشرع في أي نظام جنائي لا يعاقب على النوايا مھما كانت خبيثة وخسيسة ذلك أن النية الإجرامية لا تشكل لوحدھا وبذاتھا خطورة على الحياة العامة مادامت في ضمير صاحبھا.
إذن فالعبرة من نص الفصل 392 ق.ج بمعاقبة كل من تسبب في قتل الغير ھي بتحقق الرابطة السببية بين فعل الاعتداء والنتيجة و لا يھم بعد ذلك أن يكون الفعل قد ارتكبه الجاني بنفسه مباشرة أو بصورة غير مباشرة . فالذي يطلق أفعى أو كلب شرسا أو إنسان غير مسؤول كالمجنون أو الحدث غير المسؤول على أخر بنية أن يقتله يعاقب كقاتل متعمد ويعتبر قاتلا أيضا من اتخذ من الضجة نفسه وسيلة القتل فمن يرغم شخصا بالإكراه على قتل نفسه أو يوحي إليه بأن السلك الكھربائي غير صاعق ولا خطير فيمسكه فيموت يعتبر مرتكبا لجريمة القتل العمد .

ب‌-  النتيجة إجرامية :
تتمثل في إزهاق روح إنسان . ولا تقوم النتيجة إلا إذا تحققت الوفاة فتكون جريمة القاتل العمد قائمة وان لم تتحقق لأسباب خارجة عن إرادة الجاني تعتبر محاولة أو شروع.
ولا يشترط حصول الوفاة عقب السلوك الإجرامي مباشرة وإنما قد يتحقق ذلك إثر النشاط وقد يتراخى تحقيقه زمنا، وفي حالة وقوع ھذه النتيجة فعلا فإنه ليس ثمة ما يمنع من اعتبار الواقعة قتلا عمدا، مادامت العلاقة السببية بين النشاط والنتيجة قائمة ومادام قصد القاتل ثابتا. وإذا لم تقع الوفاة وثبت توافر القصد الجنائي عدت الواقعة محاولة قتل إذا أوقفت الجريمة أو خاب أثرھا لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه ،فإذا أطلق المتھم عيارا ناريا على المجني عليه بقصد قتله فأصابه في غير مقتل أو لم يصبه على الإطلاق اقتصرت مسؤوليته على الشروع في القتل. أما إذا كان تخلفت الوفاة راجعا إلى إرادة الجاني بحيث أوقف نشاطه أو خيب أثر فعله بإرادته متى كان ذلك ممكنا فإن المتھم لا يسأل حتى عن مجرد المحاولة على اعتبار أن عدم تحقق النتيجة راجع إلى إرادته مما يعد عدولا اختياريا ينتفي معه وجود الشروع قانونا طبقا للفصل 114 ق.ج.
وطبقا للقواعد العامة فإن عبأ إثبات وفاة المجني عليه يقع على عاتق النيابة العامة باعتبار الوفاة عنصرا في الركن المادي في جريمة القتل.

ت‌-   العلاقة السببية:
لا يكفي لقيام جريمة القتل العمد قيام شخص بفعل أو امتناعه عن فعل أعقبته وفاة. بل لابد من ارتباط النتيجة الإجرامية بفعل الجاني ارتباطا مباشرا و وثيقا. إلا أن الإشكال يطرح في حالة تعدد الأسباب وتداخلها في التسبب في الوفاة. لقد انقسم الفقه إلى ثلاث اتجاهات في ما يتعلق في تحديد السبب المؤدي للنتيجة :

-          اتجاه السببية المباشرة : ويرى هذا الاتجاه أن الجاني لا يسال عن النتيجة الإجرامية إلا إذا كانت متصلة اتصالا مباشرا بفعله و يعد هذا الاتجاه الأكثر تضيقا لنطاق السببية.
-          اتجاه السببية المناسبة أو الملائمة: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الفعل الصادر عن الجاني لا يعتبر سببا لوقوع نتيجة إجرامية معينة إلا إذا تبين أن هذا الفعل صالح لإحداث تلك النتيجة وفقا للمجرى العادي للأمور. أي انه متى كان السبب كافيا بذاته لإنتاج الوفاة اعتبر هو المسبب لها.
-         اتجاه تعادل الأسباب: إذ يرى أنصاره أن كل الأسباب التي ساهمت في إحداث الضرر يتعين أخذها بعين الاعتبار، لا فرق بين الأسباب المباشرة والأسباب غير المباشرة. إذ أن كل الأفعال تستحق أن توصف بأنها سبب النتيجة مهما ثبت أن الوفاة ما كانت لتحدث لولا تضافر الأسباب جميعا.
و المشرع المغربي و إن اشترط توافر العلاقة بين السلوك و النتيجة لقيام جريمة القتل العمد فانه لم يضع ضابطا أو معيارا محددا له. وبذلك يترك تحديد العلاقة السببية للسلطة التقديرية للمحكمة .

2- الركن المعنوي
الركن المعنوي أو القصد الجنائي أي انصراف إرادة الجاني بصورة حرة إلى ارتكاب جريمة القتل وهو عالم بالفعل الذي يصدر عنه. ويتحقق القصد الجنائي عند توفر عنصرين هما العلم و الإرادة.
-          العلم : إحاطة الجاني بجميع الظروف و الوقائع المحيطة بالجريمة أي العلم بأنه يوجه فعل الاعتداء إلى إنسان حي وان هذا الفعل يشكل خطورة على حياته .
-          الإرادة : توفر نية القتل لدى المتهم عن طواعية و اختيار.

قد تعتبر بعض الجرائم قتلا عمدا رغم انتفاء احد عناصر الركن المعنوي لدى الفاعل كما في :
·          حالة اتجاه نية الفاعل إلى ارتكاب القتل دون تحديد لشخص معين أي دون أن يستهدف ضحية معينة. 
·          حالة وقوع الجاني في غلط أو خطا في الشخص المراد قتله.
·          القتل الرحيم فمهما كان باعثه بريئا إلا أن جريمة القتل العمد تكون متحققة.

الظروف المشددة في القتل العمد

قد تقترن جريمة القتل العمد بإحدى ظروف التشديد فتشدد تبعا لذلك العقوبة من السجن المؤبد إلى الإعدام.

-          اقتران القتل بجناية
عاقب المشرع بالسجن المؤبد القاتل عمدا (م 392 ق.ج ) إلا أنه شدد عليه العقوبة في نفس الفصول إذا أقرنه بجناية حيث قال " لكن يعاقب بالإعدام في الحالتين الآتيتين: إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى.
و علة التشديد ترجع الى الخطورة الكبيرة لمجرم لم يتورع في ارتكاب جرائم متعددة خلال فترة زمنية محدودة.
و هذا التشديد يتطلب شروطا و هي :
+ ارتكاب الجاني جريمة القتل العمد : يشترط أن يرتكب الجاني جريمة قتل عمدي متوفر فيها كافة أركان الجريمة وشروطها.
+ اقتران جريمة القتل بجريمة أخرى تعد جناية : يشترط لتشديد العقوبة ان تقترن جريمة القتل بجريمة مستقلة أخرى تعد جناية حسب القانون الجنائي بغض النظر عن نوع تلك الجناية.
+ توافر رابطة زمنية بين جريمة القتل العمد والجناية الأخرى : ويقصد بها مرور فترة زمنية من الوقت فاصلة بين ارتكاب جريمة القتل و ارتكاب الجناية المقترنة بها هذه الفترة الزمنية لم يحددها المشرع ومن ثم فقد تطول تلك الفترة وقد تقصر فقد تكون بضع ساعات وقد تكون بعد القتل بيوم أو يومين وتقدير توافر تلك الرابطة الزمنية هو أمر موضوعي متروك للقاضي تحديده.
و اذا إذا ثبت اقتران جناية القتل العمد بجناية أخرى كانت العقوبة هي الإعدام .

-          ارتباط القتل بجناية أو جنحة
نص المشرع على سبب التشديد هذا في الفقرة الأخيرة من ف.392 ق.ج. والتي تقضي بأنه: "…إذا كان الغرض منه – أي من القتل العمد – إعداد جناية أو جنحة أو تسهيل ارتكابها أو إتمام تنفيذها أو تسهيل فرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصهم من العقوبة "
ويفترض التشديد في هذه الحالة أيضا تعدد الجرائم مع وجود رابطة سببية بينهما. كأن يرتكب الجاني القتل من اجل تحقيق غرض إجرامي أخر كأن يقتل الجاني المجني عليه في السرقة ليتمكن من الفرار بالمسروقات أو يقضي على من يشاهده يرتكب السرقة كي يتخلص من شاهد إثبات ضده ...
و أساس التشديد في هذه الحالة هو اعتبار المشرع أن الجاني الذي لا يقف إجرامه عند جناية القتل بل يتركب إلى جوارها جريمة أخرى إنما يدل على نفسية خطيرة ينبغي أن يهدد بالإعدام حتى يرتدع فإن لم يرتدع فلا مفر التخلص منه كما ترجع علة التشديد إلى دناءة الغاية التي من أجلها ارتكب جناية القتل العمد .
و هذا التشديد ايضا يتطلب شروطا و هي :
+ ارتكاب الجاني جريمة القتل العمد : يشترط أن يرتكب الجاني جريمة قتل عمدي متوفر فيها كافة أركان الجريمة وشروطها.
+ أن يستهدف الجاني بهذا القتل تحقيق إحدى الغايات المنصوص عليها قانونا على سبيل الحصر في المادة 392 وهي إتباعا:
·         الإعداد والتحضير لارتكاب جناية أو جنحة أيا كنت.
·         تسهيل ارتكاب جناية أو جنحة.
·         إتمام تنفيذ الجناية أو الجنحة.
·         تسهيل قرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصهم من المسؤولية الجنائية .
إن طبيعة هذا الظرف المشدد يعد سببا شخصيا لأنه متعلق بهدف الفاعل وعلمه لذلك لا تشدد عقوبة الشركاء الذين ساهموا وشاركوا في القتل إذا لم يعلموا بأنه ينوي من القتل الوصول إلى ارتكاب الجناية أو الجنحة حتى ولو ارتكبت بحضورهم أو بمساهمتهم.

-         سبق الإصرار
شدد المشروع عقوبة القتل العمد إذا كان مرفقا بظرف سبق الإصرار ف393 ق.ج . وعرف هذا الأخير في الفصل 394 ق.ج فقال :" سبق الإصرار هو العزم المصمم عليه قبل وقوع الجريمة على الاعتداء على شخص معين أو على أي شخص قد يوجد أو يصادف حتى ولو كان هذا العزم معلق على ظرف أو شر ط " .
و ترجع علة التشديد في عقوبة القتل مع سبق الإصرار نظرا لما يدل على خطورة إجرامية في شخصية الجاني حيث قام بالتفكير في ارتكاب الجريمة بهدوء وتروى و الإقدام على ارتكابها مع علمه بوجود العقوبة المشددة إلا أن وجود تلك العقوبة لم يردعه عن تنفيذها.
و لصبق الاصرار عناصر تتمثل في :
+ عنصر زمني: وهي تلك الفترة الزمنية التي تمر من وقت تفكير الجاني فى الجريمة حتى وقت التنفيذ والبدء في ارتكاب الأفعال المادية المكونة للجريمة.
 عنصر نفسي: وهي حالة الهدوء التي يمر بها الجاني في التفكير في الجريمة وأسلوب وميعاد ارتكابها و الحلول المناسبة في حالة وجود عناصر مفاجئة غير متوقعة تظهر وقت التنفيذ.
فمتى توافر هذان العنصران نكون بصدد جريمة قتل مع سبق الإصرار.
و سبق الإصرار ظرف شخصي. و يترتب على ذلك أنه يمكن تواجده لدى بعض المتهمين دون البعض الآخر. ويسأل كل متهم بحسب قصده مشددا كان أو غير مشدد .

-          الترصد
عرف الفصل 395 ق.ج الترصد بقوله :" الترصد هو التربص فترة طويلة أو قصيرة في مكان واحد أو أمكنة مختلفة بشخص قصد قتله أو ارتكاب العنف ضده".
و ترجع علة التشديد في عقوبة المتهم نظرا لما يدل على خطورة إجرامية في شخصية الجاني بالإضافة إلى ما يدل على توافر الجبن والخسة والنذالة في شخصية الجاني وخوفه من مواجهة المجني عليه وإحساسه بقوة المجني علية التي قد تعوقه عن إتمام جريمته كما إن التربص يتوافر فيه عنصر المفاجأة بالنسبة للمجني علية فيشل حركته ويمنعه من التفكير في المقاومة مما يسهل على الجاني جريمته.
و يقوم الترصد على عنصرين هما
1.     عنصر مكاني أو عنصر المباغتة: وهو أساس التشديد و علته. فيتحقق الترصد عبر تربص الجاني بهدف مفاجئة المجني عليه و قتله. فإذا كان الوضع العادي للمترصد هو الاختباء والتستر إلا أن ذلك ليس أمرا لازما. ولذلك يعتبر الجاني مترصدا إذا وقف في طريق الضحية مخفيا سلاحه ورآه هذا الأخير من بعيد ولكن دون أن يبدو ومنه ما ينبئ عن التهيؤ للعدوان ولما اقترب منه باغته بسلاحه وقتله.
2.     عنصر زمني: ويعني انقضاء فترة من الزمن والجاني يترقب أن تسمح له الفرصة بقتل الضحية وهذه الفترة لم يحددها المشرع بزمن محدد. حيث المهم هو أن تمر مدة قد تطول كما قد تقصر والجاني ينتظر الفرصة كمرور المجني عليه أو خروجه من داره أو من إدارة أو مغادرته لحقل … الخ لينفذ مشروعه الإجرامي.
وعموما فإن الترصد واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بتقديرها واستخلاص عناصرها في ضوء كل قضية على حدة، وفق ظروفها وملابساتها.
بيد أن تكييف الوقائع وما إن كانت تشكل ترصدا أم لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى الذي يتحقق من توافر عناصر الترصد القانونية.
و الترصد بطبيعته يعتبر من الظروف العينية فهو يتعلق بماديات الجريمة وكيفية تنفيذها ويستخلص من الوضعية المكانية للجاني-المتربص- أثناء تهيئة لتنفيذ الاعتداء وبالتالي فهو يسري على جميع المساهمين والمشاركين ولو كانوا يجهلونه (الفصل 130 ق.ج) وهو في هذا يختلف عن سبق الإصرار الذي يعد ظرفا شخصيا لا شأن له بكيفية تنفيذ الجريمة.
وترتيبا لذلك فإن الترصد يعد ظرفا ماديا تتحقق به المحاولة حيث يهدف مباشرة إلى ارتكاب الجريمة في حين لا تتصور المحاولة في نطاق ظرف سبق الإصرار لأنه عمل ذهني صرف لا وجود له في العالم الخارجي.

-         قتل الأصول
نص المشرع على جريمة قتل الأصول في الفصل 396 من القانون الجنائي بقوله:" من قتل عمدا أحد أصوله يعاقب بالإعدام ". 
و علة التشديد هذه تتجلى في ان الوالدين هما اللذان يبدأن بالإحسان مع الولد بالعناية به والسهر على تربيته، ومعيشته فوجب أن يقابلهما بنفس المعاملة بعد كبره والاستقلال بنفسه وإذا حاد عن هذا السلوك الواجب عليه. وتجاوز ذلك إلى تعمد قتلهما وإزهاق روحهما فلا جدال أنه يعتبر عاقا وجاحدا لما أسدياه إليه من معروف واستحق عقوبة الإعدام لأن من تنكر لأبويه وداس بتصرفه الأحمق عاطفة الأبوة والأمومة لا ينتظر منه خير للمجتمع ويكشف سلوكه هذا عن تحجر مشاعره.
و يشترط ان يكون المجني عليه أصلا للجاني : والمقصود بالأصول في القانون المغربي الأب والجد وإن علا والأم والجدة وإن علت ويشترط في هذه القرابة أن تكون شرعية من جهة الأب، أما من جهة الأم فيكفي فيها القرابة الطبيعية وقد جاءت الفصل 146 مؤكدة لذلك بحيث سوت بين الأمومة الشرعية للأم بأمومتها الطبيعية خلاف للأب.
كما ان ظرف التشديد في قتل أحد الأصول ظرف شخصي لأنه يتعلق بعلاقة النسب التي تربط القاتل بالقتيل ولا علاقة له بالوقائع المادية للجريمة وبناءا على ذلك طبقا للفصل 130 لا يسري هذا الظرف إلا على من توفر فيه أي الذي تربطه بعلاقة الأبوة دون باقي المساهمين والمشاركين معه في الجريمة.

الظروف المخففة لجريمة القتل العمد

حدد المشرع الجنائي حالات معينة تخفض فيها عقوبة القتل العمد العادية المنصوص عليها في الفصل 392 وذلك لبعض الاعتبارات. و أهم هذه الحالات:

-          قتل الأم لوليدها
تنص الفصل 397 ق.ج في فقرتها الثانية بأن: " ... إلا أن الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة في قتل وليدها تعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر ولا يطبق هذا النص على مشاركيها ولا على المساهمين معها".
و لقد اقتبس القانون المغربي هذا العذر المخفف من القانون الفرنسي الذي خص الأم بالتخفيف في حالة قتل وليدها اعتبارا للدفع الذي يكون عادة التستر على عرضها الذي دنسته بالحمل من سفاح فالأصل أن يتعلق القتل بالوليد غير الشرعي أما الولد الشرعي فمن غير المألوف أن تقدم الأم على قتله لأن عاطفة الأمومة أقوى من أي وازع إجرامي.
و لهذا العذر شروط تتجلى في :
المشرع المغربي خفف العقوبة على الأم فقط في حالة قتلها لطفلها الوليد دون غيرها كالجدة أو الأب … الخ ، ومن ثم وجب أن تقوم علاقة الأمومة الطبيعية بين الطفل والوليد والقاتلة وهذه العلاقة وحدها تكفي للتخفيف ولا حاجة إلا اشتراط أن يكون الوليد نتيجة علاقة زوجية شرعية ، وإن كان هذا نادرا الحدوث على المستوى الواقعي إذا أن عاطفة الأم أقوي من أن تقدم على فعل مشين كهذا.
الا ان الفصل 397 لم يحدد الوقت الذي تبتدئ فيه مرحلة الوليد والوقت الذي تنتهي فيه. و المقصود بالوليد طبقا للفقه الجنائي هو الطفل الحديث الولادة الذي لم يمضي زمن طويل على ولادته حيث إذا مر زمن طويل فإن الأم تفقد التمتع بالعذر المخفف .
و يعد عذر التخفيف المنصوص عليه في ( م 397 ق ج) هو عذر خاص بالأم وبالتالي فهو عذر شخصي لا تستفيد منه إلا الأم دون باقي المساهمين أو المشاركين معها في قتل الوليد.

-          القتل المرتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف
اقر المشرع المغربي هذا العذر في الفصل 416 ق.ج الذي جاء فيها " يتوفر عذر مخفف للعقوبة إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب قد ارتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم على شخص ما ".
انطلاقا من هذا الفصل يتضح لنا أن علة التخفيف في حالة الاستفزاز تكمن في تلك الحالة التي يكون فيها الجاني تحت تأثير انفعال يفقده السيطرة العادية على نفسه فيندفع لارتكاب الجريمة تحت تأثير ذلك الأفعال.
و حتى يتوافر العذر المخفف للعقوبة لا بد من تحقيق نوعين من الشروط تتعلق بالاعتداء وشروط تتعلق برد الفعل.
= الشروط المتعلقة بالاعتداء 
+ أن يوجه الاعتداء ضد الجاني أو ضد شخص غيره : لم يشترط القانون أن يكون الاعتداء موجها ضد شخص الجاني فقط، وإنما يستوي أن يكون الاعتداء موجه ضد شخص الجاني أو ضد أي شخص آخر، ذلك أن الإنسان كما يمكن أن يستفز من اعتداء موجه ضد شخصه. فيمكن أيضا أن يستفزه اعتداء موجه إلى شخص آخر حتى ولو لم تكن تربطه به أي علاقة إذ بلغ هذا الاعتداء درجة من الجسامة لم يكن لها مبرر . كما لو كان ضحية الضرب أو العنف طفلا صغيرا أو شيخا مسنا أو ذا عاهة.
+ أن يكون الاعتداء بوسيلة معينة هي الضرب أو العنف الجسيم : لكي يقوم عذر الاستفزاز يتعين أن يصدر من المستفز ضرب أو عنف " جسيم " ضد الجاني القاتل أو ضد شخص آخر.
+ أن يكون الضرب أو العنف الجسيم غير مشروع : وهذا واضح في تسمية المشرع ".... استفزاز ناشئ عند اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم إذا كان الضرب أو العنف مشروعا لما سمي ( اعتداء
= الشروط المتعلقة برد الفعل
+ أن يوجه رد الفعل ضد المعتدي : حتى يتحقق العذر المخفف للعقوبة في حالة الاستفزاز يجب أن يقع رد الفعل على المستفز نفسه لا غيره حتى ولو كان هذا الأخير تربطه بالمعتدي قرابة أو صلات وثيقة كأن يكون ابنه أو زوجه أو شقيقه.
+ أن يقع رد الفعل عقب أعمال الاستفزاز مباشرة : هذا العنصر وإذا لم ينص عليه القانون صراحة ، ولكن تقتضيه طبيعة الاستفزاز من جهة كما يستفاد من جهة ثانية من عبارة " استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف" التي تقيد ضرورة توافر العلاقة السببية بين الاعتداء وبين رد الفعل وهذه العلاقة السببية تتحقق إذا قام الجاني برد الفعل الفوري ضد الاعتداء أما إذا تراخى رد الفعل إلى أن اختفى الانفعال وحالة الانفعال فإن العلاقة السببية تنعدم .
إن هذا العذر المخفف في حالة الاستفزاز يعتبر ظرفا شخصيا لكنه يقوم على الانفعال الذي تحدثه أعمال الاستفزاز في نفس الجاني وبالتالي لا يستفيد منه إلا من توفر فيه من المساهمين أو الشركاء ( م : 130 ف ق 2 من ق ج

-         قتل احد الزوجين الزوج الأخر وشريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية
ينص الفصل 418 من القانون الجنائي على أنه " يتوفر عذر مخفف للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب إذا ارتكبها احد الزوجين ضد الزوج الأخر وشريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية "
ان أساس هذا العذر هو الاستفزاز الناتج عن الشعور بفداحة المساس الذي نال شرفه و شرف أسرته عندما يفاجأ بمشاهدة شريكه متلبسا بالخيانة الزوجية مع شخص أخر. فيندفع الشخص إلى فعله غير مقدر للمخاطر التي ستلي فعلته.
و لقد عدل المشرع المغربي هذه المادة بحيث اصبح يتمتع بهذا العذر المخفف للعقوبة كلا الزوجين بعد ان كان يقتصر على الزوج دون الزوجة. كما استعمل المشرع المغربي لفظ الخيانة الزوجية بدل الزنا قبل التعديل لان اللفظ الاخير غير شرعي و يشمل الفساد و غيره من العلاقات الجنسية غير الشرعية.
و يتم هذا العذر وفق شروط و هي كالتالي :
+ و جوب ان يكون القاتل زوجا لمن فاجأه متلبسا بالخيانة الزوجية
+ مفاجأة احد الزوجين الزوج الاخر متلبسا بالخيانة الزوجية : و يتكون هذا الشرط من عنصرين هما المفاجأة و التلبس و تتحقق الاولى اذا فاجأ احد الاخر متلبسا بالخيانة الزوجية سواء اكان لم يرتاب في سلوكه من قبل او سبق ان كانت لديه شبهات. و لكن تنتفي المفاجأة اذا سبق له ان شاهد الخيانة الزوجية سابقا و لم تكن لديه و سيلة للقتل او خاف من شريكها فقام بمراقبتها للمرة الثانية ليضبطها و يقتلها. و اذا انتفت المفاجأة انتفى الانفعال الذي جعله القانون اساسا لتقرير العذر المخفف.
و نكون في حالة تلبس بالخيانة الزوجية اذا تم ضبط المجرمين خصوصا في احدى الحالات المنصوص عليها في المادة 56 من ق.م.ج و هي :
-         في حالة انجاز الفعل الجنائي او على اثر انجازه.
-         في حالة ما اذا كان الفاعل مازال مطاردا بصياح الجمهور.
-         في حالة ما اذا وجد المجرم بعد مرور زمن قصير على ارتكاب فعلته حاملا اسلحة او اشياء يستدل منها على انه شارك في الفعل الاجرامي او وجدت عليه اثار تثبت مشاركته.
+ ارتكاب جريمة القتل اثناء المفاجأة : ان المشرع المغربي اشترط ان يرتكب القتل عند مفاجأة الزوج لزوجه و شريكه متلبسين بالخيانة الزوجية فأساس تخفيف العقوبة هو انفعال احد الزوجين و اندفاعه تحت تأثير ثورته الى ارتكاب الجريمة اما اذا مر وقت غير قصير على المفاجأة اختفى انفعاله و غضبه و بالتالي لم يعد هناك مبرر لتخفيف العقوبة.
و يبقى لقاضي الموضوع تحديد المدة التي تتحقق بها المفاجأة حسب كل قضية على حدة تبعا لظروفها و ملابساتها و يراقب المجلس الاعلى هذا التحليل القانوني و يحرص على سلامة الاستنتاج. و في حالة توفر هذا العذر يلتزم القاضي بتخفيف العقوبة من السجن المؤبد الى الحبس من سنة الى 5 سنوات حسب المادة 423 من ق.ج
موقف المساهم او المشارك : ان طبيعة العلاقة بين القاتل و المقتول هي طبيعة خاصة و هي طبيعة العلاقة بين الزوج و زوجته ولا شك ان هذه العلاقة تعد من الظروف الشخصية. و بهذا لا يستفيد من العذر المخفف الا احد الزوجين سواء اكان فاعلا او مشاركا دون باقي المساهمين او المشاركين.



جميع الحقوق محفوظة ل الناجمويب: دروس و محاضرات قانونية