الاعمال التجارية بالطبيعة هي اعمال تعتبر تجارية بغض النظر عن صفة
القائمين بها, اي سواء صدرت من تاجر او من غير تاجر. و عليه فان اختصاص المحكمة
يترتب عادتا اما بالنظر لصفة التاجر التي يحملها احد الاطراف, او بالنظر الى
الطبيعة التجارية للعمل رغم انها في تطور دائم, لكن عادتا يتم اخذ ابع تصنيفات
بعين الاعتبار: نشاط التوزيع و التبادل, النشاط الصناعي, النشاط المالي, الوساطة.
الفقرة الاولى: الانشطة التجارية القائمة على الاموال
يشمل عنصر التوزيع اهم انواع الانشطة التجارية المحددة في المادتين 6 و 7
من م.ت.
اولا: الشراء بقصد البيع
لقد تم التنصيص على هذا النموذج في
الفقرة الاولى من المادة السادسة من م.ت " شراء المنقولات العادية او
المعنوية بنية بيعها بذاتها او بعد تهيئتها بهيئة اخرى او بقصد تاجيرها".
مما سبق يتضح ان النص لا يتحدث عن البيع لكن مع ذلك يتعين اخضاعه لنظام
قانوني موحد مع الشراء, على اعتبار انهما مرتبطين ببعضهما و من تم اعتبار البيع
عملا تجاريا, و ليكون ذلك لابد من اجتماع ثلاثة عناصر: الشراء, ان يكون الشراء
بنية البيع, ان يكون هذا الشراء منصب على شيء معين.
1- الشراء:
و يقصد به في القانون اقتناء الشيء بثمن نقدي متفق عليه بين البائع و
المشتري, و يدخل فيه ايضا المقايضة بحيث انه يشمل كل اقتناء للشيء بعوض, سواء كان
العوض نقدا او عينا, بل ان المشرع اعتبر استئجار الاشياء بقصد اعادة تأجيرها من
الباطن بربح هو شراء بالمعنى المقصود.
اما الاكتساب الغير عوضي او المجاني فيتم استبعاده و لو تمت العملية بنية
بيع الشيء الذي ال اليه بطريقة اخرى غير الشراء كالهبة او الارث ... و الشراء لا
يفقد طابعه التجاري في الحالة التي يعمد فيها الشخص الى بيع اشياء لم يتم اكتسابها
بعد, و لكن يتم الحصول عليها بعد ذلك من خلال اسخدام تقنية الشراء بأجل. لكن يفترض
ان كل عملية بيع يجب ان يسبقها شراء و الا فانها لا تعد اعمال تجارية رغم اهميتها,
و هو ما يدفع الى استبعاد كل من الانشطة الزراعية و الاعمال الفنية و المهن الحرة
و الاعمال الفكرية بمعناها الواسع من الاعمال التجارية, على الرغم من هناك مجموعة
من التساؤلات حول مبررات اخراجها من دائرة الاعمال التجارية:
-
الأعمال الفلاحية:
لا يزال المشرع المغربي
محتفظا بخصوصية هذه النقطة على عكس المشرع الفرنسي, فالفلاح او المزارع في فرنسا
بالرغم من انه ليس تاجرا قد يجد نفسه خاضعا لمقتضيات القانون التجاري.
لكن عادتا يتم التمييز هنا ما بين الاعمال الزراعية الطبيعية و التي تظل
محتفظة بطابعها المدني, و بين الحالة التي يتخذ فيها هذا النشاط بعدا او حدا يجعله
تجاريا.
·
الاعمال الزراعية الطبيعية: ان بيع الزارع لغلات مزرعته ليس عملا تجاريا,
لكون الغلة المبيعة غير مسبوقة بشراء و لكون المحكمة التجارية غير مختصة في هذا
الامر, و عليه فان البيوعات التي يقوم بها المزارعون مبدئيا ليست اعمال تجارية.
اما اذا كان المزارع يبيع ايضا منتوجات مشترات من الغير, فان هذا الشراء بقصد
البيع يظل دائما مدنيا اذا كان حجم المنتوجات المشترات اقل اهمية بالمقارنة مع
منتوج مزرعته.
و عليه فان الفلاح يعد تاجرا متى ما قام بعمليات شراء بقصد البيع مادام ان
هذا العمل يظل تابعا للاصل الذي يبقى مدنيا. و على العكس من ذلك اذا كانت قيمة
المشتريات التي اقتناها المزارع مهمة مقارنة مع عمليات البيع للمنتوج, او انها لم
تكن ضرورية لحاجياته فان الطبيعة التجارية للنشاط قد تتحقق.
·
الانشطة المرتبطة بالعمل الزراعي: قد يقوم الفلاح بادخال تحسينات على
منتوجه و هو مجرد نشاط تكميلي لا يكون له اي اثر في اضفاء الصفة التجارية على
الفلاح, حيث يظل تحويل الفلاح لمنتوجه نشاطا مدنيا و تطبق هنا نظرية التبعية
المدنية, لان عمليات التحويل تمت لحاجيات الاستغلال الفلاحي, هذه العمليات التي
يجب ان تظل ثانوية بالمقارنة مع الاصل الذي يظل مدنيا, و يمكن ان يصبح تجاريا اذا
خرج الامر من دائرة محدودة و استلزم الامر القيام باعمال تجارية متكررة و بصورة
اعتيادية.
اما اذا قام الفلاح بشراء منتوجات جيرانه و باعها مع محصوله فهو في هذه
الحالة اصبح وسيطا و قام بالسراء بقصد البيع مما يضفي على عمله طابعا تجاريا, و
عليه فانه لا يعد تجاريا قيام المزارع ببعض الاعمال الصناعية بغية الحفاظ على
المحصول من التلف او لزيادة قيمته, و لكن في حالة ما اذا وصلت الصناعة الزراعية
الى حد كبير من الاهمية كشراء الالات, بناء المعامل, استخدام اليد العاملة, فانها
تعتبر تجارية استنادا الى نظرية المضاربة او التداول, بحيث يصبح العمل التجاري هنا
ثانويا.
-
الانشطة الفكرية:
من غير المتصور القول بان الكاتب او الفنان يمارسون اعمال تجارية عندما
يقومون ببيع ما ينتجونه من مؤلفات و ابداعات فنية, فالانتاج الفكري بشتى انواعه
يعتبر عملا مدنيا, لانه لم تسبقه عملية الشراء بنية البيع.
كما ان الطبيعة المدنية للعمل الادبي تبقى كذلك في الحالة التي يقوم فيها
الاديب ببيع حقوقه بموجب عقد للنشر, فالعقد يبقى مدنيا من جهته على عكس الناشر
الذي يعد تجاريا بالنسبة له لانه قام بشراء المنتوج الادبي او الفني من اجل البيع.
اما في مجال الملكية الصناعية خاصتا عندما يتعلق الامر ببراءة الاختراع فان
التكييف المدني هو المبدأ, و المخترع الذي يبيع براءة اختراعه لا يقوم بعمل تجاري,
لكن يصبح عمله تجاريا بمشاركته في المضاربة التجارية, لكن شراء الغير لبراءة
اختراع يعد عموما تجاريا بالنسبة اليه, اما بالنسبة لعلامات الصنع و التي تكون في
الغالب بيع الاصل التجاري فانها غالبا تبقى عملا تجاريا بالنسبة للبائع او
المشتري.
-
المهن الحرة:
تعرف الهن الحرة بأنها مهن غير تجارية و بالتالي فان اصحابها لا يخضعون
لمقتضيات مدونة التجارية, و انما توكل نزاعاتهم للمحاكم المدنية, و لا تطبق بشأنهم
المساطر الجماعية ان كانوا يمارسون عملهم بصورة فردية.
اما من حيث التمييز بين المهن الحرة و المهن التجارية فان اهم الخاصيات
المميزة للمهن الحرة ترجع بالدرجة الاساسية الى الاعتبار الشخصي الذي يسيطر في
العلاقة التي تجمعهم بالزبناء, فانشطة اصحاب المهن الحرة ليست تجارية لانها لا
تتضمن شراء لاجل البيع, و انما يتقاضون مقابل خدماتهم من اجل الجهد الفكري لمبذول
لفائدة زبنائهم.
لكن اذا قتم اعضاء المهن الحرة باعمال تجارية محضورة بمقتضى انظمتهم يمكن
ان يعتبروا تجارا.
2- موضوع الشراء:
المشرع يتحدث عن المنقولات المادية و المعنوية و العقارات.
-
المنقولات:
اشترط المشرع ان ترد عملة الشراء على منقول سواء مادي او معنوي, فالمنقولات
المادية تتمثل في الغلل اي كل ما تنتجه الارض, و السلع اي المواد و البضائع, اما
المنقولات المعنوية فتتمثل في الاوراق المالية مثل سندات الديون العامة و اسهم
الشركات و حقوق الملكية الصناعية و الفكرية و شراء الاصل التجاري بقصد بيعه.
و تجدر الاشارة الى انه لا عبرة لكمية المشترى او مقدار الربح الذي يحققه
البائع, و ذلك سواء تعلق الامر بمنقولات مادية او معنوية.
-
العقارات:
لقد نص المشرع على ان كل عمليات شراء للعقارات بنية بيعها تعد عملا تجاريا,
اذا تم على وجه الاعتياد او الاحتراف سواء انصب الشراء على عقار بذاته او بعد
تهيئته بهيئة اخرى.
3- نية البيع:
و هي شرط اساسي حيث يترتب عن ثبوتها اعتبار العملية تجارية.
-
ضرورة قيام نية البيع:
ان الشراء لا يعد عملا تجاريا الا اذا تم بقصد البيع حسب الفقرة الاولى من
المادة السادسة من مدونة التجارة, و عليه فان هذا القصد هو المعيار للتمييز ما بين
البيع المدني و البيع التجاري.
و تعد نية البيع عنصرا ذا طابع شخصي, و من ثمة فانه يكفي ان تتحقق نية
البيع عند الشراء, و لا اهمية بعد ذلك ان لم يتحقق البيع لاعتبارات مختلفة. و على العكس من ذلك في
ميدان البيع المدني فان المشتري ان لم تكن لديه نية مباشرة للبيع و لو اضطر بعد
ذلك للبيع لاي سبب كان, فان العملية تظل محتفظة بطابعها المدني مع الاشارة الى انه
ليس بالضرورة ان يسبق الشراء عملية البيع, فقد يكون العكس و مع ذلك فان العملية تظل
محتفظة بطابعها التجاري.
-
اثبات نية البيع:
الاثبات هنا يقع على عاتق الشخص الذي يتمسك بتجارية العمل, وذلك باستعمال
جميع وسائل الاثبات بما فيها شهادة الشهود, و الذي يضل تقديرها خاضعا للسلطة
التقديرية لقاضي الموضوع.
-
الغاية من البيع:
يطرح التساؤل حول ما اذا كان من الضروري ان يصاحب نية البيع ضرورة تحقيق
الربح ؟
تبقى مسألة مفترضة و لا يستلزمها القانون, فقد لا يتحقق الربح عند عملية
البيع لاسباب معينة تجعل الشخص يبيع بخسارة, و لذلك يكفي ان تكون العملية مرشحة
لانتاج ربح سواء تحقق فعلا ام لا.
اما على مستوى القضاء لوحظ انه يستلزم دائما و بشكل متواتر البحث عن الربح
كشرط لتجارية العمل, حيث يجب على قضاة الموضوع التحقق من ان عناصر النشاط قد تمت
بنية المضاربة.
ثانيا: مقاولات كراء الاموال
و يشمل ذلك كل شراء لكل منقولات مادية او معنوية بقصد تأجيرها, ثم كراء هذه
المنقولات بقصد اعادة اكرائها من الباطن, و لم يعتبر المشرع ان كل شراء لعقار بقصد
كرائه عملا تجاريا بالرغم من انه اعتير بان الاعتياد على شراء العقارات بقصد بيعها
يعد عملا تجاريا.
1. شراء المنقولات المادية أو
المعنوية بنية تأجيرها:
نص المشرع على تجارية كل عمليات شراء المنقولات بقصد التأجير, كشراء
السيارات بقصد اكرائها ... و بشكل عام كل الايجارات المتعلقة بالاموال
الاستهلاكية, و تدخل في هذا الايطار ايضا عمليات الايجار التمويلي, مع العلم ان
المشرع اشترط لاعتبار النشاط تجاريا ان يتم ضمن نطاق مقاولة.
2. اكتراء المنقولات من اجل اكرائها
من الباطن:
" تكتسب صفة تاجر بالممارسة الاعتيادية او الاحتلاافية للأنشطة
التالية ...
اكراء المنقولات المادية او المعنوية من اجل اكرائها من الباطن ".
و ذلك سواء انصبت هذه العملية على منقول مادي او معنوي فهي تعتبر نشاطا
تجاريا, و لذلك وجب توفرها على شروط و هي:
·
ان يتعلق الامر في البداية بعملية اكتراء انصبت على منقول مادي او معنوي.
·
ان يكون القصد و النية من وراء ذلك هو اكرائها من الباطن بقصد تحقيق ربح.
و على عكس المقتضيات السابقة فان عمليات شراء العقارات بقصد اكرائها تبقى
محتفظة بطابعها المدني, ما لم يتعلق الامر بنشاط يتم ممارسته بشكل احترافي في شكل
شركة متخصصة في هذه العمليات, و حتى لو تعلق الامر بمقاولة تعمد الى كراء شقق
مجهزة فان العمل يبقى مدنيا تطبيقا لنظرية التبعية المدنية, و يستثنى من ذلك شراء
الفنادق من اجل تخصيص غرفها للمبيت على وجه الكراء لفائدة الزبناء.
الفقرة الثانية: الانشطة التجارية المرتبطة بالانتاج و تحويل الاموال
يتم ادخال مجموعة من الانشطة ضمن هذا الاطار كمقاولات التصنيع و مقاولات
النقل و استغلال المناجم و حتى مقاولات الملاهي العمومية.
اولا: الانشطة الصناعية:
تتمثل عمليات التصنيع في عملية تحويل للمواد الاولية الى منتجات, اما عن
طريق اليد العاملة او باستخدام الات. و فيما يتعلق بالمقاولات العمومية فانه يتميز
التعيين بين صنفين:
·
المقاولات التي تقوم بتسيير مرفق عمومية و تحقق ارباحا من طبيعة تجارية:
تبقى خاضعة للقانون العام, و بالتالي لا تخضع للقضاء التجاري لانها لا تقوم بعمل
تجاري.
·
المقاولات التي تتولى تسيير مرفق خصوصي في صورة مؤسسة عمومية ذات طابع
صناعي او تجاري: تقوم باعمال تجارية و تخضع بالتالي للقضاء التجاري.
و عموما يمكن القول ان مقاولات التصنيع تقوم على وجود خاصية المضاربة على
عمل الغير, ثم وجود نشاط للتحويل في صورة و اشكال متعددة.
و يبقى لقاضي الموضوع السلطة التقديرية لتحديد مدى تحقيق الشروط الوصفية
لمقاولة التصنيع, اي الضارية على عمل الغير و الاعتياد المهني, و بالتالي يعتبر
تاجرا كل مقاول يحقق الجزء الاكبر من ارباحه من عمل اليد العاملة التي يشغلها او
من الاعمال المنجزة او من اشغال الالات التي تنجز اعمالا لا يقوم بها الا عدد كبير
من العمال.
...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق