تقديم:
القانون بصفة عامة يهدف الى تنظيم العلاقة الاجتماعية،
حيث من المفروض في كل نظام قانوني أن يعكس النظام الاجتماعي الذي يهدف الى تنظيمه،
و مثل هذا الأمر يبدوا عاديا بالنسبة للمجتمعات الوطنية المستقرة و التي توجد بها
مؤسسات قارة و دائمة مكلفة رسميا بمهمة وضع القوانين وإصدارها و تطبيقها.
أما بالنسبة الى المجتمع الدولي فإن الأمر يختلف لأنه
من جهة لا يخضع لأية سلطة عليا تتكلف بهذه المهمة القانونية، و لان القانون الدولي
من جهة أخرى نظام بدائي كانت تسيطر عليه حتى عهد قريب المبادئ العامة حيث كانت
صيانة قواعده بطيئة و تدريجية بسبب اعتمادها على العرف و العادة.
الفصل الاول: نشأة القانون الدولي و تطوره:
لقد وضع القانون الدولي خلال العهد الحديث من طرف مجموعة
صغيرة من الدول الأوروبية بالاشتراك مع دول القارة الامريكية و الحديثة النشأة في
وقت كانت فيه بقية العالم في منعزل عن مجريات العلاقات الدولية أو كانت خاضعة
للاستعمار.
و قد كنت مهمة القانون الدولي الكلاسيكي هي وضع قواعد
سلوكية مقبولة بصورة عامة في الديبلوماسية الدولية، في عصر كانت فيه سلطة الحاكم
مطلقة بحيث كانوا يمثلون الدول في العلاقات الدولية، و كانت الديبلوماسية الدولية
تهتم بصورة رئيسية بأمور محددة مثل تعريف السيادة الإقليمية و الضبط القانوني لعرض
الجار و تحديد الحصانة القانونية لرؤساء الدول و الحكومات و الممثلين
الدبلوماسيين.
ولهذا لم يكن القانون الدولي الكلاسيكي يعالج المواضيع
التي تهم الشعوب مثل التنمية الاقتصادية و الديمقراطية و حقوق الانسان كما هو
الحال اليوم.
بعد الحرب العالمية الثانية عرف العالم تزايد في عدد
الدول الحديثة العهد بالاستقلال و التي أصبحت تتمتع بالسيادة القانونية، كانت
اغلبها من أمريكا للاتينية و اسيا و افريقيا، و قد نتج عن هذا التزايد في أعضاء
المجتمع الدولي اختلال في الانسجام بين القيم و المعايير المنبثقة من الماضي
الاوروبي.
فالعنصر الديني لم يعد حاسما في تكييف العلاقات الدولية،
حيث كانت الأصول الدينية لغرب أوروبا التي ترجع في تاريخها الى مزيج من اليونانية
و اليهودية و المسيحية، اي كانت تشكل صلة الوصل بين أعضاء المؤسسين للأسرة
الدولية، في حين ان الأعضاء الجدد يمثلون بصورة رئيسية ثقافات دينية و اجتماعية
مختلفة كليا، ابرزها الثقافة الاسلامية، البوذية و الهندوسية، حيث شكل هؤلاء
مجموعة مميزة بقيمها الثقافية و القانونية مما كان له تأثير كبير على مبادئ
القانون الدولي.
على ان التطور النوعي في تركيبة القانون الدولي و مبادئه
ليظهر بعد نجاح الحركات التحريرية، حيث أدى التحول الديمقراطي للأنظمة السياسية في
عدد من الدول الأوروبية ثم فيما بعد الدول الغير الاوروبية الى تفسير مجرى
العلاقات الدولية الذي لم يعد مقصورا على الاهتمام بالسلوك او بمجموعة صغيرة من
الأرستقراطيين بل أخذ يرتبط بالعمليات الدستورية و السياسية الداخلية لدولة، حيث
اصبح توجيه الشؤون الخارجية جزءا من الاعمال السياسية لكل بلد، و اصبح في النظم
الديمقراطية موضوع نقاشات سياسية لدى الرأي العام.
اما التغيير التركيبي الثاني فقد نتج عن اندماج المسائل
الاجتماعية و الاقتصادية في العلاقات الدولية. حيث بدأ الاهتمام بالمسائل
الاقتصادية و الاجتماعية في بادئ الامر داخل الدول و امتد الى حقل العلاقات
الدولية في نهاية الحرب العالمية، و قد كان تأسيس منظمة العهد الدولية منذ ١٩١٩
بداية منتظمة لحركة دولية دائمة النمو تهتم بالعمل
والصحة و الغذاء و وسائل الاتصال و امور اخرى تحقق رفاهية الانسان و تضمن حقوقه،
هذا بالإضافة الى الاهتمام بالبيئة التي يعيش فيها هذا الانسان.
و هكذا أضيف بعد جديد الى العلاقات الدولية إذ اصبح
الاهتمام برفاهية الانسان من أهم واجبات الحكومة العصرية، و من اهم مواد العلاقات
الدولية. و بدأت عدة دول فقيرة تطالب بحقها في ثروة العالم و مواده الطبيعية التي
كانت في غالبيتها من نصيب الدول الصناعية، حيث وضعت مجموعة جديدة من القوانين و
التنظيمات الدولية ذات العلاقة بالتنمية الاقتصادية الدولية، حيث اهتمت مجموعة من
المنظمات الدولية على رأسها البنك الدولي و صندوق النقد الدولي بهذا المجال. حيث
أصبحت غالبية الدول اما مانحة او اخذة بصورة مباشرة او غير مباشرة، و أصبحت هذه
المنظمات مهتمة بنوع جديد من العلاقات الدولية ذات صيغة قانونية، و هذه العلاقات
ستفتح بدورها مجالات جديدة امام القانون الدولي
ان الاهتمام بالرفاهية و التنمية الاقتصادية ما هو الا
جزء من اهتمام القانون الدولي، ذالك ان انقسام العالم الى عدد متزايد من الدول
التي تتمتع بالسيادة لم يتغير من جوهره اذ ينبثق من حق الإعلان عن الحروب و تحقيق
للمصالح القومية و هو حق غير مقيد الا بشكل معتدل من طرف ميثاق منظومة الامم
المتحدة، الا ان العلاقة بين هذا المبدأ و تحقيق المصالح القومية قد تغير كليا في
الوقت الحالي, فاليوم الغاية الرئيسية من الحرب هي الوصول الى أمن اكثر، ذالك ان
الغايات التقليدية المتمثّلة في الحصول على ثروة اكبر و قوة اعظم عن طريق الحرب وصلت
بلغت ذروتها غداة الحرب العالمية الاولى، حيث عجزت الدول المنتصرة عن سحق الدول
المنهزمة.
لقد كان الدرب الحقيقي لهذه الحرب هو ظهور عدم جدوى
الحرب كوسيلة لنقل الثروة من المغلوب الى الغالب، فالاعتماد المتقابل في العالم
الحديث جعل الأموال التي دفعتها ألمانيا كغرامة تعود اليها بسرعة على شكل قروض
مصرفية، مما ساعدها على بناء صناعتها و ارتفاع قدرتها على التنافس امام الاسواق
العالمية.
وقد زاد الإدراك بعدم جدوى الحرب بعد ظهور السلاح
النووي، حيث اصبح واضحا ان اي حرب نووية قد تؤدي الى تدمير الحياة فوق الكرة
الارضيّة مما أدى الى الاستمرار في العمل لأجل نظام دولي فعال يستطيع السيطرة على
الحروب بواسطة الرأي العام المنظم او بوسائل سلمية او باستخدام القوة الدولية
الدائمة او عن طريق فرض عقوبات. هذه الحاجة الى السعي من اجل تحقيق نظام أمن جماعي
أكثر فعالية سيأثر بشكل عميق في تطور القانون الدولي العام.
اولا: تعريف القانون الدولي العام
القانون الدولي العام بمفهومه المعاصر هو مجموعة قواعد
قانونية التي تحكم الدولة و غيرها من الأشخاص الدولية في علاقاتها الدولية.
أ: باعتباره مجموعة قواعد قانونية فانه
يتميز عن القواعد الاخلاقية و قواعد المجاملات الدواية، حيث ان الأخلاق الدولية هي
مجموعة مبادئ يمليها الضمير العالمي مما قد يفيد تصرفات الدولة دون ان يشكل هذا
القيد إلزاما قانونيا مثل وجوب نجدة الدول التي حلت بها الكوارث، واستخدام الرأفة
في الحروب، و عدم التزام دولة ما بهذه الأخلاق الدولية ينشب عنه شجب (معارضة)
الرأي العام العالي دون ان تترتب عليه مسؤولية قانونية تتحملها الدولة المخالفة،
الا ان العديد قد اندمج ضمن قواعد القانون الدولي العام فأصبحت بدالك جزءا منه.
اما المجاملات الدولية تتمثل في قيام دولة ما بعمل دون
ان تكون ملزمتا به قانونا و اخلاقا، وذالك بهدف توطيد العلاقة بينها و بين دول
اخرى و خلق جو من الصداقة و المودة، مثل المراسيم المطبقة في استقبال السفن
الحربية و التحية، و عدم التزام هذه المجاملات ينتج عنه في الغالب المعاملة بالمثل
لكن دون تحمل الدولة المخالفة المسؤولية الدولية. و من الممكن ان تتحول قاعدة
مجاملة دولية الى قاعدة ملزمة بها، مثل حصانة البعثات الديبلوماسية التي بدأت على
شكل مجاملات و تحولت الى قاعدة من قواعد القانون الدولي العام.
ب: القانون الدولي مجموعة قواعد قانونية تحكم الدول و غيرها
من الأشخاص الدولية، وهو ما يعني ان قواعد هذا
القانون لا ينحصر تطبيقها في العلاقات بين الدول فحسب بل يتعداه الى أشخاص دولية
اخرى مثل المنظمات الدولية و الشركات المتعددة الجنسية. وإلى الأفراد في حالات
معينة.
ت: باعتبار ان القانون الدولي هو مجموعة القواعد
القانونية التي تحكم العلاقات المتبادلة بين الدول و غيرها من الأشخاص الدولية، فهو
يتميز عن القانون الدولي الخاص الذي يضم القواعد القانونية التي تحكم القضايا ذات
العنصر الأجنبي، بالتالي فان كان هناك قانون دولي عام واحد لجميع الدول فان لكل
دولة مجموعة من القواعد الداخلية و الأنظمة و الاجتهادات القضائية الوطنية التي
تدخل في نطاق القانون الدولي الخاص، لان هذا الأخير ينظم علاقة الفرد بدولة اجنبية
لا علاقة الدول فيما بينها التي تدخل في نطاق القانون الدولي العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق