الأحد، 16 يوليو 2017

المسطرة المدنية: مسطرة التبليغ

يقصد بالتبليغ الشكلية التي يتم بواسطتها إعلام المبلغ إليه بالإجراءات القضائية التي تتخذ ضده وتتجلى أهميته فيما يترتب عليه من آجال الطعن وحضور الجلسات وغير ذلك من الآجال المسطرية، فالتبليغ إذن هو المفتاح الذي لا يمكن بدونه البث في المنازعات القضائية، لذلك تبقى الكثير من الملفات على رفوف المحاكم في انتظار استكمال إجراءات التبليغ
مسطرة التبليغ


اولا: شكليات التبليغ

ينص الفصل 36 من قانون المسطرة المدنية على مايلي:
يستدعي القاضي حالا المدعي والمدعى عليه كتابة إلى جلسة يعين يومها ويتضمن هذا الاستدعاء:
1 - الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن أو محل إقامة المدعي والمدعى عليه؛
2 - موضوع الطلب؛
3 - المحكمة التي يجب أن تبت فيه؛
4 - يوم وساعة الحضور؛
5 - التنبيه إلى وجوب اختيار موطن في مقر المحكمة عند الاقتضاء.
انطلاقا من الفصل اعلاه يتضح ان المشرع اوجب عدة شكليات للتبليغ, سنتطرق لكا منها على حدى, لكن بعد التعريف بالتبليغ اولا.
التبليغ هو: " إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى علم شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد الأعوان القضائيين، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية والهدف من ذلك هو ضمان علم المبلغ إليه بالأمر المراد تبليغه ".
و تكمن اهميته في عدم جواز احتجاج المبلغ بجهله لما تم تبليغه به, متى ما كان التبليغ مستوفيا كافة البيانات المنصوص عليها قانونا, و هي كما يلي:

1- الأسماء العائلية والشخصية ومهنة وموطن إقامة المدعي و المدع عليه: فلهذا البيان أهمية قصوى في تحديد الاختصاص المكاني، فضلا عن أنه يحدد آجال التبليغ إذ تختلف الأجال بحسب وجود موطن المتبلغ في المغرب أو في الخارج، إلى جانب ذلك يساعد البيان المذكور الطرف المدعى عليه على معرفة خصمه الذي رفع الدعوى ضده، وغير خاف أن لمعرفة الخصم في النزاع أهمية بالغة، إذ تجعل المدعى عليه مستعدا للرد على إدعاءات المدعي بالوقائع والقانون على حد سواء.

2- موضوع الطلب: وهذه الشكلية في أهميتها لا تقل عن البيان السابق، إذ بمقتضاها يتوصل الطرف المبلـغ ـ المدعى عليه ـ إلى طبيعة النزاع الذي أصبح طرفا فيه، هل هو مدني أم جنائي، وإذا كان مدنيا هل هو متصل بالعلاقات المالية للأسرة، وكل هذا ذو أهمية خاصة يساهم في تأهب واستعداد المدعى عليه لإعداد الدفاع عن نفسه.
3-  المحكمة التي يجب أن تبث في النزاع: وتكمن خصوصية هذا البيان في الحيلولة دون معاناة المتقاضين من مشاكل الاختصاص، فبيان المحكمة المختصة يجعل من السهل على الطرف المبلغ اللجوء إلى المحكمة التي عليه أن يمثل أمامها دفاعا عن حقوقه ومصالحه دون مشقة أو عناء.

4- يوم وساعة الحضور

5- التنبيه إلى ضرورة اختيار موطن في مقر المحكمة عند الاقتضاء: وهذه شكلية ترمي إلى الحد من مزاعم بعض الأفراد وادعاءاتهم بعدم توصلهم بالتبليغ لعدم توفرهم على موطن أو محل إقامة يراسلون ويبلغون فيه، فمتى تم تنبيه المبلغ باختيار موطن ـ وغالبا ما يكون لدى محام ـ أصبح يسيرا استدعاؤه والاتصال به كلما اقتضى الأمر ذلك. ولا تكفي البيانات السابق ذكرها لاعتبار تبليغ الاستدعاء صحيحا وإنما لا بد من أخد مقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية بعين الاعتبار إذ ينص هذا الفصل على أنه :
"ترفق بالاستدعاء شهادة يبين فيها من سلم له الاستدعاء وفي أي تاريخ ويجب أن توقع هذه الشهادة من الطرف أو من الشخص الذي تسلمها في موطنه، وإذا عجز من تسلم الاستدعاء عن التوقيع أو رفضه، أشار إلى ذلك العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ، ويوقع العون أو السلطة على هذه الشهادة في جميع الأحوال ويرسلها إلى كتابة ضبط المحكمة. وإذا تعذر على عون كتابة الضبط والسلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو محل إقامته أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر.....", في حقيقة الأمر تعد هذه البيانات مكملة للتي سبق ذكرها.

ثانيا: طرق التبليغ:
نظم المشرع طرق التبليغ في كل من الفصول 37- 38 – 39 من ق.م.م.
فقد نص في الفصل 37 على انه: " يوجه الاستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية. إذا كان المرسل إليه يقيم خارج المغرب، يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الإداري على الطريقة الدبلوماسية أو بواسطة البريد المضمون، عدا إذا كانت مقتضيات الاتفاقيات الدولية تقضي بغير ذلك".
و نص الفصل 38 على انه: " يسلم الاستدعاء والوثائق إلى الشخص نفسه أو في موطنه أو في محل عمله أو في أي مكان آخر يوجد فيه، ويجوز أن يتم التسليم في الموطن المختار. يعتبر محل الإقامة موطنا بالنسبة لمن لا موطن له بالمغرب. يجب أن يسلم الاستدعاء في غلاف مختوم لا يحمل إلا الاسم الشخصي والعائلي وعنوان سكنى الطرف وتاريخ التبليغ متبوعا بتوقيع العون وطابع المحكمة".
اما الفصل 39 فقد جاء فيه ما يلي:" إذا تعذر على المكلف بالتبليغ أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو محل إقامته ألصق في الحين إشعارا بذلك في موضع ظاهر بمكان التبليغ وأشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر.
توجه حينئذ كتابة الضبط الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل.
... يعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض الصادر من الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء..."
و عليه و من خلال الفصول اعلاه يمكن ان نستخرج الطرق التي يتم بها التبليغ, و هي كما يلي:
1-    التبليغ عن طريق اعوان كتابة الضبط:
يعتبر التبليغ بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط الوسيلة الأولى التي ركز عليها الفصل 37 المذكور، ويعد ذلك بديهيا إذا علمنا أن هؤلاء الأعوان تابعون لكتابة الضبط بالمحكمة المعروضة عليها القضية في الغالب، فضلا عن أنهم ينتمون إلى قسم التبليغات وهذا ما يؤهلهم أكثر لمباشرة هذه المهمة المحفوفة بالمشاكل والصعوبات.
على أنه يتعين الإشارة إلى أن هذه الطريقة تثير كثيرا من المشاكل أهمها البطء وعدم كفاءة الأعوان المكلفين بالتبليغ، إذ لا يقومون في الغالب الأعم بملء شواهد التسليم بالطريقة القانونية اللازمة، الأمر الذي يجعل كثيرا من التبليغات تتعرض للبطلان.
2-    التبليغ عن طريق المفوضين القضائيين:
حل المفوضين القضائيين محل الاعوان القضائيين في القيام بمهمة التبليغ, و ذلك بموجب القانون الصادر في 14 فبراير 2006 الذي الغى القانون المحدث لهيئة الاعوان القضائيين.
و حسب المادة 15 منه فانه يختص المفوض القضائي بالقيام بعمليات التبليغ سواء تعلق الامر بالأوامر او بالأحكام و القرارات او الاجراءات, كما يضطلع بمهمة تسليم استدعاءات التقاضي, و تبليغ الانذارات بطلب من المعني بالأمر مباشرة الا اذا نص القانون على خلاف ذلك.   
3-    التبليغ عن طريق البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل:
تعد هذه الطريقة الوسيلة الثالثة التي نص المشرع على سلوكها في حالة عدم الاستدعاء بواسطة الأعوان المكلفين بالتبليغ، بل إنها تعد الوسيلة الأنجع في التبليغ إذا ما رجعنا إلى الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 39 فقد جاء فيهما ما يلي: "إذا تعذر على عون كتابة الضبط أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أوعلى أي شخص في موطنه أو محل إقامته أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر. توجه حينئذ كتابة الضبط الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل".
والدليل على نجاعة التبليغ بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أن المشرع اعتبر الاستدعاء الذي رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلمه، مسلما تسليما صحيحا ابتداء من اليوم العاشر الموالي للرفض.
 ومع ذلك ففي كثير من الأحيان يتم إرجاع الطي بملاحظة غير مطلوب أو بملاحظة تعني الرفض، هذا إلى جانب أنه يمكن للعديد من الأشخاص المعنيين بالتبليغ من التملص والتحلل من آثاره بدعوى أن الظرف الذي تم التوصل به كان فارغا.
4-    التبليغ بواسطة القيم:
يتم تعيين القيم لتبليغ الاستدعاء في الأحوال التي يكون فيها موطن أو محل إقامة الطرف غير معروف، ويعين القيم من بين أعوان كتابة الضبط, وتكمن مهمة القيم في البحث عن الطرف، وتقديم المعلومات والمستندات المفيدة للدفاع عنه ويساعد القيم في مهمته النيابة العامة والسلطات الإدارية.
وفي حالة ما إذا عرف موطن أو محل إقامة الطرف الذي لم يكن موطنه معروفا، يخبر القيم القاضي بذلك، ويخطر إضافة إلى ذلك المعني بحالة المسطرة والمراحل التي بلغتها، وذلك في سبيل رفع النيابة التي كان يقوم بها القيم لفائدة الطرف ذي الموطن المجهول. ولتعيين القيم وقيامه بالتبليغ أهمية قصوى بالنسبة لسريان آجال الاستئناف أو النقض بالنسبة للأحكام والقرارات المبلغة إلى هذا الأخير، إذ لا تسري إلا بعد تعليقها في لوحة معدة لهذا الغرض بالمحكمة.
5-    التبليغ بالطريقة الادارية:
لا شك أن للسلطات الإدارية دورا مهما في القيام بالتبليغ، ذلك أن التبليغ بالقرى والبوادي والمناطق النائية يرتكز بالأساس على أعوان السلطة (المقدم، الشيخ)، بل إن لهؤلاء أهمية كبرى حتى في التبليغ في المجال الحضري.
غير أن هذا الدور سرعان ما يرتب العديد من الإشكالات خاصة بالنسبة لشهادات التسليم التي لا تملأ بالطريقة والدقة اللتين يتطلبهما القانون، إذ غالبا ما تكون التبليغات التي يقوم بها أعوان السلطة محل طعون وشكوك. وترجع هذه الإشكالات إلى عدة أسباب منها غلبة الأمية على الشيخ والمقدمين وكثرة المهام التي يقومون بها إلى جانب التبليغ وعدم الإلمام بالقواعد القانونية المنظمة للتبليغات، وعدم الإحاطة والتنبؤ بالنتائج السلبية التي تترتب على التبليغ الذي لم تحترم فيه الشكليات القانونية المتطلبة، ومن هذه الأسباب كذلك عدم التنسيق بين السلطات القضائية والسلطات الإدارية فضلا عن اختلاف التقطيع القضائي حيث تكون بعض المناطق تابعة إداريا لمقاطعة أو قيادة معينة في الوقت الذي تكون فيه تابعة قضائيا لمحكمة لا تدخل في دائرتها القضائية هذه المنطقة، فتبعث التبليغات في غالب الأحيان إلى مقاطعات أو قيادات لا يوجد فيها موطن أو محل إقامة المبلغ إليه.
6-    التبليغ بالطريقة الدبلوماسية:
يعد التبليغ بالطريقة الدبلوماسية من الطرق الهامة التي تساعد على إيصال الاستدعاءات إلى المعنيين بالأمر المقيمين خارج تراب المملكة، ويساهم هذا النوع من التبليغ في تمكين المغاربة المقيمين بالخارج بوجه خاص من الإحاطة بالإجراءات والدعاوى والأحكام التي تهمهم والتي تباشر في وطنهم.
وتعد السلطات الدبلوماسية (وزارة الخارجية والسفارات والقنصليات) الجهات الرئيسية في القيام بهذا النوع من التبليغات، ومع أهمية هذه الطريقة فإن لها العديد من السلبيات منها البطء وطول الإجراءات وتعقيد المساطر. بالنظر أولا إلى الآجال الطويلة والإضافية التي يضعها المشرع استثناء لمن يوجد موطنه خارج المغرب (الفصل 41 والفصل136 من ق.م.م)، وبالنظر ثانيا إلى تعقيد المسطرة وصعوبة سلوكها، إذ غالبا ما يتطلب التبليغ بالطريقة الدبلوماسية شهورا عديدة، خاصة وأن المبلغ إليه قد يعمد كل مرة إلى تغيير عنوانه أو موطنه تحاشيا لكل ما قد يصدر ضده من أحكام أو ما قد يتخذ ضده من إجراءات.

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة ل الناجمويب: دروس و محاضرات قانونية