تنتهج الدول المختلفة أسلوبين في تنظيمها الإداري هما: المركزية الإدارية واللامركزية الإدارية
المبحث الأول- المركزية الإدارية:
يقصد بالمركزية الإدارية توحيد النشاط الإداري وتجميعه في يد السلطة التنفيذية المركزية في العاصمة.
ولا تعني المركزية الإدارية أن تقوم السلطة التنفيذية في العاصمة بجميع الأعمال في أنحاء الدولة، بل تقتضي وجود فروع لهذه السلطة غير أن هذه الفروع لا تتمتع بأي قدر من الاستقلال في مباشرة وظيفتها وتكون تابعة للسلطة المركزية في العاصمة ومرتبطة بها.
المطلب الأول: أركان المركزية الإدارية
تقوم المركزية الإدارية على ثلاثة عناصر هي: تركيز الوظيفة الإدارية في يد الحكومة والتدرج الهرمي والسلطة الرئاسية.
الفرع الاول- تركيز الوظيفة الإدارية في يد الحكومة المركزية:
ويعني ذلك أن الوظيفة الإدارية تتركز في يد السلطة التنفيذية المركزية التي عادة ما تكون وزاراتها ومؤسساتها المركزية موجودة في عاصمة الدولة، وتعاونها في ذلك الهيئات التابعة لها في الأقاليم الأخرى تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية، ولا توجد في هذا النظام أشخاص معنوية عامة محلية أو مرفقية مستقلة عن السلطة المركزية، أي لا توجد مجالس محلية منتخبة أو هيئات عامة يمكن أن تدير المرافق العامة، وتتركز سلطة اتخاذ القرارات وأداء المرافق العامة في يد الوزراء وممثليهم التابعين لهم والمعينين منهم تحت رقابتهم واشرافهم.
الفرع الثاني- التدرج الهرمي:
تقوم المركزية الإدارية على أساس التدرج الهرمي في الجهاز الإداري ومقتضاه أن يخضع موظفي الحكومة المركزية بشكل متدرج ومتصاعد، حيث تكون الدرجات الدنيا تابعة للأعلى منها تحت قمة الجهاز الإداري وهو الوزير.
وللسلطات العليا حق إصدار الأوامر والتعليمات للجهات الدنيا ويخضع كل مرؤوس خضوعاً تاماً، ويتجه مجال الطاعة في داخل النظام المركزي إلى درجة كبيرة فالرئيس يباشر رقابة سابقة ولاحقة على أعمال المرؤوس كما أن للرئيس صلاحية تعديل القرارات الصادرة من مرؤوسيه وإلغائها بالشكل الذي يراه مناسباً.
وهذه الدرجات تكون ما يسمى بنظام التسلسل الإداري الذي يبين التمايز بين طبقتي الرؤساء والمرؤوسين ويبرز علاقة التبعية والسلطة الرئاسية.
الفرع الثالث- السلطة الرئاسية:
السلطة الرئاسية ضمانه معترف بها للرؤساء الإداريين ينظمها القانون فيوفر وحدة العمل وفعاليته واستمراريته، وتعتبر السلطة الرئاسية الوجه المقابل للتبعية الإدارية وهي تتقرر بدون نص وبشكل طبيعي غير أنها من جانب آخر ترتب مسؤولية الرئيس عن أعمال مرؤوسية وبالتالي عدم إمكانية تهربه من هذه المسؤولية.
والسلطة الرئاسية من أهم ركائز النظام المركزي الإداري، إلا أنها سلطة ليست مطلقة وليست على درجة واحدة من القوة فهي تتأثر بصاحب السلطة ومركزه في السلم الإداري وبنوع الوظيفة التي يمارسها.
والسلطة الرئاسية تنقسم إلى نوعين من السلطات، الأول يتعلق بسلطة الرئيس على اشخاص مرؤوسيه والآخر يتعلق بسلطة الرئيس على اعمال مرؤوسيه:
أولاً- سلطة الرئيس على أشخاص مرؤوسيه:
تتضمن سلطة الرئيس على أشخاص مرؤوسه الكثير من الاختصاصات منها ما يتعلق بالحق في التعيين والاختيار، وحق الرئيس في تخصيص مرؤوسيه لأعمال معينة.
كما تتضمن سلطة نقل الموظف وترقيته وإيقاع العقوبات التأديبية عليه والتي قد تصل إلى حد عزله أو حرمانه من حقوقه الوظيفية، في حدود ما يسمح به القانون.
ثانياً- سلطة الرئيس على أعمال مرؤوسيه:
تشمل هذه السلطة في حق الرئيس في توجيه مرؤوسيه عن طريق اصدار الأوامر والتوجيهات إليهم قبل ممارسة أعمالهم وسلطة مراقبة تنفيذهم لهذه الأعمال والتعقيب عليها وتشمل هذه السلطات:
أ. سلطة الأمر:
يملك الرئيس إصدار الأوامر والتعليمات، ويعتبر اختصاصه هذا من أهم مميزات السلطة الرئاسية، ذلك أن إصدار الأوامر عمل قيادي له أهمية كبرى في سير الأعمال الإدارية، وعلى وجه العموم نجد أن السلطة الرئاسية تتصف أساساً بأنها سلطة آمره لكونها تقوم على إصدار أوامر ملزمة للمرؤوسين.
ب. سلطة الرقابة والتعقيب:
سلطة الرئيس في الرقابة على أعمال مرؤوسية تتمثل بحقه في إجازة أعمالهم أو تعديل قراراتهم أو إلغائها وسحبها كما يملك أيضاً الحلول محلهم إذا اقتضى العمل ذلك. وتمتد رقابة الرئيس على أعمال مرؤوسية لتشمل ملائمة هذا العمل أو التصرف ومقتضيات حسن سير المرفق العام.
ووسيلته الرئيسية في رقابته على مرؤوسيه تتمثل بالتقارير التي يقدمها الموظفين عن أعمالهم بصورة دورية أو بوساطة التقارير التي يضعها المفتشون ويطلعون السلطة الرئاسية عليها، قد يمارسها الرئيس عن طريق الشكاوي التي يقدمها إليه الأفراد الذين أصابهم الضرر نتيجة تصرفات مرؤوسيه.
المطلب الثاني: صور المركزية الإدارية:
تتخذ المركزية الإدارية صورتان: التركيز الإداري وعدم التركيز الإداري.
الفرع الأول- التركيز الإداري
وهي الصورة البدائية للمركزية الإدارية، ويطلق عليها أيضاً المركزية المتطرفة أو الوزارية، لإبراز دور الوزارة في هذا النظام.
ومعنى التركيز الإداري أن تتركز سلطة اتخاذ القرارات في كل الشؤون الإدارية بيد الوزراء في العاصمة بحيث لا يكون لأية سلطة أخرى تقرير أي أمر من الأمور، إنما يتعين على كافة الموظفين في الأقاليم الرجوع إلى الوزير المختص لإصدار القرار.
وينحصر دور الموظفين في الجهاز الإداري في تقديم المقترحات والآراء في المسائل المطروحة عليهم وانتظار ما يقرره الوزير المختص بشأنها، وتنفيذ هذه القرارات.
الفرع الثاني- عدم التركيز الإداري:
يطلق على هذه الصورة من المركزية الإدارية ألا وزارية أو المركزية المعتدلة ومقتضاها تخفيف العبء عن الحكومة المركزية بتخويل بعض الموظفين في الأقاليم المختلفة سلطة البت في بعض الأمور ذات الطابع المحلي دون الحاجة للرجوع للوزير المختص في العاصمة.
إلا أن هذه الصورة من المركزية لا تعني استقلال هؤلاء الموظفين عن الوزير فهم يبقون خاضعين لسلطته الرئاسية وله أن يصدر إليهم القرارات الملزمة وله أن يعدل قراراتهم أو يلغيها، وكل ما في الأمر أن عدم التركيز الإداري يخفف من العبء على الوزارات والإدارات المركزية وأن بعض القرارات الإدارية أصبحت تتخذ من ممثلي الوزراء في الأقاليم بدلا من أن تتخذ من الوزراء أنفسهم. ويتم تحقيق عدم التركيز الإداري من خلال نظام تفويض الاختصاص.
فما هو المقصود بنظام تفويض الاختصاص؟
المطلب الثالث- تفويض الاختصاص:
أولاً: المقصود بتفويض الاختصاص:
يقصد بتفويض الاختصاص أن يعهد صاحب الاختصاص بممارسة جزء من اختصاصاته إلى أحد مرؤوسيه، بشرط أن يسمح القانون بإجراء هذا التفويض وأن تكون ممارسة الاختصاص المفوض تحت رقابة الرئيس الإداري صاحب الاختصاص الأصيل.
ثانياً: مزايا تفويض الاختصاص:
1- يخفف العبء عن الرئيس صاحب الاختصاص الأصيل، فهو يقوم بنقل جزء من اختصاصه في مسألة معينة إلى أحد مرؤوسيه أو جهة أو هيئة ما.
2- يؤدي من جانب آخر إلى تحقيق السرعة والمرونة في أداء الأعمال مما يسهل على الأفراد قضاء مصالحهم ويدرب المرؤوسين على القيام بأعمال الرؤساء فينمي فيهم الثقة والقدرة على القيادة.
ثالثاً: شروط تفويض الاختصاص:
للتفويض شروط عامة استقر علىها الفقه وأحكام القضاء، يجب مراعاتها حتى يكون التفويض صحيحاً هي:
1- التفويض لا يكون إلا بنص:
يلزم حتى يكون التفويض صحيحاً أن يسمح القانون بالتفويض، فإذا منح القانون الاختصاص إلى جهة معينة ليس لهذه الجهة التنازل عن هذا الاختصاص أو تفويضه إلى سلطة أخرى إلا إذا أجاز القانون ذلك ومن الضروري أن يصدر قرار صريح من الجهة صاحبة الاختصاص الأصيل عن رغبتها في استخدام التفويض الذي منحه لها القانون.
2- التفويض يجب أن يكون جزئياً:
فلا يجوز أن يفوض الرئيس الإداري جميع اختصاصاته لأن هذا يعد تنازلاً من الرئيس عن مزاولة جميع أعماله التي أسندها إليه القانون.
3- - بقاء مسؤولية الرئيس المفوض عن الأعمال التي فوضها:
فلا تسقط المسؤولية عن الرئيس المفوض بالإضافة إلى مسؤولية المفوض إليه، تطبيقاً لمبدأ أن التفويض في السلطة ولا تفويض في المسؤولية. والمرؤوس المفوض إليه لا يسأل عن تصرفاته بشأن السلطات المفوضة إليه إلا أمام رئيسه المباشر الذي قام بالتفويض ولا تنصرف المسؤولية إلى أعلى منه وفقاً لمبدأ وحدة الرئاسة والأمر.
4- لا يجوز للمفوض إليه أن يفوض غيره:
فالتفويص لا يتم إلا لمرة واحدة ومخالفة هذه القاعدة تجعل القرار الإداري الصادر من المفوض إليه الثاني معيباً بعدم الاختصاص.
5- التفويض مؤقت وقابل للرجوع فيه من جانب الرئيس:
لأن الأصل هو عدم التفويض والاستثناء هو التفويض الذي يستطيع الرئيس دائماً إلغاءه بقرار ويسترد اختصاصه.
6- عدم جواز قيام الاصيل بممارسة الاختصاص الذي تم تفويضه أثناء سريان التفويض.
هذا النوع من التفويض ينقل السلطة بأكملها إلى المفوض إليه، وهذا يمنع الأصيل المفوض من ممارسة الاختصاص الذي تم تفويضه أثناء سريان التفويض. ويوجه تفويض الاختصاص إلى المفوض إليه بصفته الوظيفية لا بشخصه فلا ينتهي التفويض بشغل موظف آخر لوظيفة المفوض إليه.
رابعاً: تفويض الاختصاص بالتوقيع
وهو تفويض شخصي يأخذ بعين الاعتبار شخصية المفوض إليه، فهو ينطوي على ثقة الرئيس به ومن ثم فهو ينتهي بتغير المفوض أو المفوض إليه، كما أن هذا التفويض يسمح للمفوض إليه بممارسة الاختصاصات المفوضة باسم السلطة ولا يمنع ذلك من ممارسة الرئيس المفوض ذات الاختصاص رغم التفويض كما أن القرارات الصادرة في نطاق التفويض تأخذ مرتبة قرارات السلطة المفوضة.
خامسا: التفويض والحلول:
أ. المقصود بالحلول:
يقصد بالحلول أن يصبح صاحب الاختصاص الأصيل عاجزاً لسبب من الأسباب عن ممارسة اختصاصه كأن يصاب بعجز دائم أو بمرض أو غيره فيحل محله في مباشرة كافة اختصاصاته موظف آخر حدده القانون سلفاً. وقد يحصل الحلول بان تحل إحدى الجهات الإدارية محل جهة إدارية أخرى
ب. الاختلاف بين التفويص والحلول:
1- الحلول يكون في حالة غياب صاحب الاختصاص الأصيل أياً كان سبب الغياب اختيارياً كما في حالة الإجازة أو إجبارياً كما في حال المرض فيحل محل الموظف في ممارسة هذه الاختصاصات من حدده المشرع.
أما في حالة التفويض فإن الرئيس المفوض يكون حاضراً وليس غائباً.
2- التفويض يتحقق بقرار يصدر من الرئيس المفوض إلى المفوض إليه في حين لابد للحلول أن يقترن بنص وأن تكون أسبابه صحيحة ويصبح الحلول مستحيلاً إذا لم ينظمه المشرع.
3- تفويض الاختصاص يأخذ القرار الصادر درجة المفوض إليه، أما في الحلول فتكون القرارات الصادرة في مرتبة قرارات الأصيل الغائب.
4- في التفويض يكون الرئيس المفوض مسؤولاً عن أخطاء المفوض إليه لأن الرئيس يمارس الرقابة الرئاسية على المفوض إليه بينما لا يكون الأصيل الغائب مسؤولاً عن أخطاء من حل محله لأنه لا يملك أي سلطة رئاسية بالنسبة لتصرفات الأخير، ولأن مصدر سلطته القانون وليس الأصيل وحيث توجد السلطة توجد المسؤولية.
المطلب الرابع: تقييم المركزية الإدارية:
أولاً: مزايا المركزية الإدارية:
1- النظام المركزي يقوي سلطة الدولة ويساعدها في تثبيت نفوذها في كافة أنحاء الدولة، ولا شك أن هذا النظام له ما يبرره في الدول الناشئة حديثاً، والتي تحتاج لتقوية وتدعيم وحدتها.
2- المركزية أسلوب ضروري لإدارة المرافق العامة القومية التي لا يتعلق نشاطها بفئة معينة أو إقليم معين كمرفق الأمن أو الدفاع أو المواصلات.
3- المركزية تؤدي إلى توحيد النظم والإجراءات المتبعة في كافة أنحاء الدولة كونها تتأتى من مصدر واحد مما يمكن الموظفين من الإلمام بكافة الأوامر والتعليمات اللازمة لتنفيذ الوظيفة الإدارية.
4- يؤدي هذا الأسلوب إلى التقليل من النفقات والحد في الإسراف لعدم الحاجة إلى المجالس والهيئات اللامركزية وخبرة موظفي السلطة المركزية وقلة عددهم.
5- تحقيق العدل والمساواة في المجتمع لإشراف الحكومة المركزية على المرافق العامة ونظرتها الشمولية البعيدة عن المصالح المحلية.
ثانيا: عيوب المركزية الإدارية:
1- يؤدي هذا النظام إلى إشغال الإدارة المركزية أو الوزراء بمسائل قليلة الأهمية على حساب المهام الأكثر أهمية في رسم السياسة العامة لوزاراتهم.
2- المركزية الإدارية لا تتماشى مع المبادئ الديمقراطية القائلة بضرورة أن تدار الوحدات المحلية من خلال سكان هذه الوحدات عن طريق مجالس منتخبة من بينهم.
3- المركزية الإدارية وبسبب تركز السلطة بيد الوزراء وفئة قليلة من الرؤساء والإداريين في العاصمة تؤدي إلى قتل روح المثابرة والإبداع لدى الموظفين الآخرين لأن دورهم ينحصر بتنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة من السلطة المركزية، وعدم مشاركتهم فيها.
4- المركزية تؤدي إلى زيادة الروتين والبطء في اتخاذ القرارات الإدارية المناسبة وفي الوقت المناسب لاستئثار السلطة المركزية بسلطة اتخاذ كافة القرارات في الدولة، وبعد مصدر القرار في أكثر الأوقات عن الأماكن المراد تطبيق القرار فيها، وغالباً ما تأتي هذه القرارات غير متلائمة مع طبيعة المشكلات المراد حلها.
المبحث الثاني- اللامركزية الإدارية:
يقصد باللامركزية الإدارية توزيع الوظيفة الإدارية داخل الدولة بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين أشخاص الإدارة المحلية في الأقاليم، وتتمتع هذه الأشخاص بالشخصية المعنوية المستقلة، مع خضوعها لرقابة الحكومة المركزية.
وعلى ذلك تظهر في هذا النظام إلى جانب الدولة أو الإدارة المركزية أشخاص معنوية محلية أو مرفقية يطلق عليها بالإدارة اللامركزية أو السلطات الإدارية اللامركزية.
المطلب الأول- صور اللامركزية الإدارية:
هناك صورتان أساسيتان لللامركزية الإدارية، اللامركزية المحلية أو الإقليمية، واللامركزية المصلحية أو المرفقية.
الفرع الأول- اللامركزية الإقليمية أو المحلية:
ومعناها أن تمنح السلطات المركزية إلى جزء من إقليم الدولة جانب من اختصاصاتها في إدارة المرافق والمصالح المحلية مع تمتعها بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري. (المحافظات، البلديات المجالس القروية)
وتستند هذه الصورة إلى فكرة الديمقراطية التي تقتضي اعطاء سكان الوحدات المحلية الحق في مباشرة شؤونهم ومرافقهم بأنفسهم عن طريق مجالس منتخبة منهم.
وتقوم اللامركزية الإقليمية أو المحلية على ثلاث عناصر:
أولاً: مصالح محلية أو إقليمية متميزة
يتم منح الشخصية المعنوية للوحدات المحلية لاعتبارات إقليمية أو محلية، يجد المشرع أن من الأفضل أن تباشرها هيئات محلية معينة وإسناد إدارتها إلى سكان هذه الوحدات أنفسهم، ولاشك أن سكان هذه الوحدات أدرى من غيرهم بواجباتهم وأقدر على إدارة هذه المرافق وحل مشكلاتها، كما أن هذا الأسلوب يمنح الإدارة المركزية فرصة التفرغ لإدارة المرافق القومية، ويتم تحديد اختصاصات الهيئات المحلية بقانون ولا يتم الانتقاص منها إلا بقانون آخر، وهي تشمل مرافق متنوعة وتتضمن كافة الخدمات التي تقدم لسكان الوحدات المحلية كمرفق الصحة والتعليم والكهرباء والماء وغيرها.
ثانياً: استقلال الوحدات المحلية
ويعني الاستقلال أن تستقل الهيئات اللامركزية في مباشرة عملها عن السلطة المركزية، فالمرافق اللامركزية لا تخضع لسلطة رئاسة أعلى إلا أن ذلك لا يعني الاستقلال التام للهيئات المحلية عن السلطات المركزية، ويبقى نوع من الرقابة التي تمارسها السلطة المركزية على الهيئات اللامركزية بموجب قوانين تحكم هذه العلاقة، وهو ما يسمى من قبل جانب من الفقه بالوصاية الإدارية.
الفرع الثاني: اللامركزية المرفقية
ومعناها أن تقوم السلطة المركزية أو الوحدات المحلية اللامركزية باعطاء بعض المرافق العامة الشخصية المعنوية والاستقلال عن السلطة المركزية والوحدات المحلية، لادارة مرفق عام على أساس موضوعي مثل البريد والتلفون والكهرباء والإذاعة وذلك في حدود نطاق الاقليم المحلي.
وتمارس اللامركزية المرفقية نشاطاً واحداً أو أنشطة متجانسة كما هو الحال في الهيئات والمؤسسات العامة المرفقية المركزية على عكس اللامركزية المحلية التي تدير العديد من المرافق أو الأنشطة غير المتجانسة.
ولا يستند هذا الأسلوب على فكرة الديمقراطية إنما هي فكرة فنية تتصل بكفاءة إدارة المرفق وعلى ذلك ليس من حاجة للأخذ بأسلوب الانتخابات في اختيار رؤساء أو أعضاء مجالس إدارة هذه الهيئات العامة.
المطلب الثاني- الوصاية الإدارية والسلطة الرئاسية
الفرع الأول: المقصود بالوصاية الإدارية
يطلق جانب من الفقه القانوني الإداري اصطلاح الوصاية الإدارية على الرقابة التي تمارسها السلطات المركزية على الهيئات اللامركزية، إلا ان هذا المصطلح منتقد عند جانب آخر من الفقهاء ويرون أن يستبدل بمصطلح الرقابة الإدارية وذلك لوجود اختلاف بين المراد بالوصاية في القانون الخاص، وبين الوصاية الإدارية في القانون العام فالأولى تتعلق بحماية الأفراد ناقصي الأهلية أما الوصايا الإدارية فتترتب على الهيئات المحلية، وهذه الهيئات تتمتع بأهلية كاملة بصفتها شخصية معنوية معتبرة.
ثانياً: التمييز بين الوصاية الإدارية والسلطة الرئاسية
أ. السلطة الرئاسية في النظام المركزي تفرض علاقة تبعية وتدرج رئاسي بين الموظف ورئيسه، أما في الوصاية الإدارية فإن الموظفين في الدوائر والهيئات المحلية لا يدينون بالطاعة لأوامر السلطة المركزية لأن هذه الهيئات تتمتع بشخصية معنوية تجعلها بمنأى عن الخضوع التام لتوجيهات السلطة المركزية، ولكنها لا تتخلى عن الرقابة اللاحقة التي تمارسها على أعمال الهيئات المحلية.
ب. في الوصاية الإدارية لا يجوز للسلطة المركزية تعديل القرارات التي تصدرها الهيئات المحلية وكل ما تملكه توافق عليها بحالتها أو ترفضها، أما في السلطة الرئاسية فيملك الرئيس الحق في تعديل قرارات المرؤوسين.
ج. سلطة الوصايا تملك الحلول محل الوحدات المحلية عندما تهمل الأخيرة في ممارسة اختصاصاتها أو تخل بالتزاماتها فترفض اتخاذ إجراء معين كان الواجب عليها طبقاً للقوانين واللوائح، حتى لا يتعطل سير المرافق العامة تحل السلطة المركزية محل الوحدات اللامركزية لتتخذ الإجراء المطلوب، وذلك باسم الوحدات اللامركزية ولحسابها.
ولكن بشرط وجود نص قانوني صريح يلزم الوحدة اللامركزية بالقيام بالعمل أو بإجراء التصرف وامتناعها عن ذلك، وكذلك بشرط قيام سلطة الوصاية المركزية بتوجيه إنذار مكتوب إلى الوحدة اللامركزية الممتنعة تدعوها إلى وجوب القيام بالعمل أو الإجراء الذي يفرضه القانون
المطلب الثالث- تقييم اللامركزية الإدارية:
أولا: مزايا اللامركزية الإدارية:
أ. يؤكد المبادئ الديمقراطية في الإدارة: لأنه يهدف إلى اشتراك الشعب في اتخاذ القرارات وإدارة المرافق العامة المحلية.
ب. يخفف العبء عن الإدارة المركزية: إذ أن توزيع الوظيفة الإدارية بين الإدارة المركزية والهيئات المحلية أو المرفقية يتيح للإدارة المركزية التفرغ لأداء المهام الأكثر أهمية في رسم السياسة العامة وإدارة المرافق القومية.
ج. النظام اللامركزي أقدر على مواجهة الأزمات والخروج منها: سيما وأن الموظفين في الأقاليم أكثر خبرة من غيرهم في مواجهة الظروف والأزمات المحلية كالثورات واختلال الأمن، لما تعودوا عليه وتدربوا على مواجهته وعدم انتظارهم تعليمات السلطة المركزية التي غالباً ما تأتي متأخرة.
د. تحقيق العدالة في توزيع حصيلة الضرائب وتوفير الخدمات في كافة أرجاء الدولة: على عكس المركزية الإدارية حيث تحظى العاصمة والمدن الكبرى بعناية أكبر على حساب المدن والأقاليم الأخرى.
ه. تقدم اللامركزية الإدارية حلاً لكثير من المشاكل الإدارية: مثل البطء والروتين والتأخر في اتخاذ القرارات الإدارية في المركزية الادارية، كما أنها توفر أيسر السبل في تفهم احتياجات المصالح المحلية وأقدر على رعايتها.
ثانياً: عيوب اللامركزية الإدارية
أ. يؤدي هذا النظام إلى المساس بوحدة الدولة من خلال توزيع الوظيفة الإدارية بين الوزارات والهيئات المحلية.
ب. قد ينشأ صراع بين الهيئات اللامركزية والسلطة المركزية لتمتع الاثنين بالشخصية المعنوية ولأن الهيئات المحلية غالباً ما تقدم المصالح المحلية على المصلحة العامة.
ج. غالباً ما تكون الهيئات اللامركزية أقل خبرة ودراية من السلطة المركزية ومن ثم فهي أكثر إسرافاً في الإنفاق بالمقارنة مع الإدارة المركزية.
وعلى الرغم من هذه الانتقادات إلا أن اغلب الدول تتجه اليوم نحو الأخذ بأسلوب اللامركزية الإدارية على اعتبار أنه الأسلوب الأمثل للتنظيم الإداري.
منقول ...
منقول ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق